لأول مرة أجدُ أنّ لدينا، هنا في العراق، مثل ما لدى غيرنا من الشعوب والأُمم والدول، جهازاً للادعاء العام ( النيابة العامة) بشحم حقيقي ولحم حقيقي ووجود حقيقي غير "فضائي"، فيعود الأمل لينبت في الروح آمالاً بأن يُزهر بعد حين ، فنصحو ذات صباح على أخبار تنبئ بتحقّق العدالة المفتقدة أو المغيّبة في هذه البلاد، وبخاصة في حق الفاسدين والمفسدين الذين يدمّرون حياتنا بما هو أفتك من أسلحة الدمار الشامل.
الأُسبوع الماضي كتبتُ في هذا العمود عن قضية فساد أفادت معلومات بانكشافها أمام إحدى المحاكم البريطانية، وفي اليوم نفسه تلقيّتُ من مجلس القضاء الأعلى عبر بريدي الإلكتروني نسخة من كتاب وجهه رئيس المجلس القاضي الأستاذ مدحت المحمود الى رئيس جهاز الادعاء العام يطلب فيها التحقيق في القضية. أمس وصلتني نسخة من كتاب موجّه من رئيس جهاز الادعاء العام القاضي الاستاذ محمد قاسم الجنابي الى وزارة الخارجية يطلب فيه تكليف سفارتنا في المملكة المتحدة جمع المعلومات بشأن القضية وتزويد الجهاز بها.
في السابق كتبتُ وغيري عن قضايا عدة تتعلق بمخالفات وتجاوزات على الحقوق والحريات العامة والخاصة من جانب دوائر للدولة ومسؤولين فيها. كما وقعت أحداث كثيرة كنّا ننتظر معها تحركاً من جهاز الادعاء على غرار ما كنا نلحظه في البلدان الأخرى ، فما أن تقع حادثة فيها تجاوز على حقوق المجتمع وحرياته وممتلكاته حتى ينظّم جهاز الادعاء العام أو النيابة العامة المؤتمرات الصحفية لتزويد الرأي بوقائع الحادثة والتحقيقات الجارية فيها، ولا يكفّ رئيس الادعاء العام أو ممثله عن الظهور حتى تنتهي التحقيقات وتحال الأوراق الى المحكمة المختصٌة.
لما يزيد على ثلاث عشرة سنة نزلت بنا نوائب من كل جنس وصنف، ندر نظيرها ، بيد أن جهاز الادعاء العام لم يبدر منه ما يماثل ما تقوم به النيابة العامة في سائر البلدان، كما لو كانت ثمة خصومة أبدية بين جهازنا الادعائي ونحن، الرأي العام، وكان هذا جوهر نقدنا وعتابنا لهذا الجهاز الذي كنا دائماً نريد له تفعيل دوره وتنشيط مساهمته في الكشف عن الجرائم المرتكبة في حق المجتمع، وبخاصة أعمال الإرهاب والجريمة المنظّمة وقضايا الفساد الإداري والمالي.
التحقيقات النشيطة للإدعاء العام لها أهمية كبيرة، وحتى لو لم تتوصل حينها الى نتيجة مفيدة لسبب ما، وما أكثر الأسباب التي تحول دون الوصول الى الحقيقة في القضايا الكبيرة وبخاصة المتعلقة بالفساد، فإن التحرّك الملحوظ لجهاز الادعاء يمكن أن يكون رادعاً.. إنه في الأقل يقول للفاسدين والمفسدين إن المال العام ليس سائباً.. وهذه رسالة مهمة ،لأن المال السائب يعلّم السرقة.
ولقد علّم مالنا السائب المسيّب آلاف " المناضلين" السابقين وسواهم السرقة الجائرة التي قوّضت أركان الدولة والمجتمع.
الادّعاء العام حاضر.. أخيراً
[post-views]
نشر في: 25 ديسمبر, 2016: 05:58 م