رغم ان حياة الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا غنية بالأحداث الدرراماتيكية ومزدحمة بالحيوات والتفاصيل التاريخية التي عاصرها على مدى اكثر من سبعين عاما، إلا ان السينما لم تقترب بشكل كبير منها، وأعني معالجة هذه السيرة بفيلم عنها. فهذا الشاعر الذي وصفه عبقري الرواية اللاتينية ماركيز بأنه "من أفضل شعراء القرن العشرين في جميع لغات العالم" عاش حياة حافلة، فقد كان شيوعيا قائدا ومن أبرز النشطاء السياسيين، وعضوا بمجلس الشيوخ ومرشحا سابقا للرئاسة في بلاده. ونال نيرودا العديد من الجوائز التقديرية أبرزها جائزة نوبل في الآداب عام 1971 وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة أوكسفورد. حياة جسّدها قبل وفاته بكتاب مذكرات حمل عنوان (أشهد انني قد عشت) مرّ فيها عند محطات حياته التي كانت مثل (نشيد شامل).فيلمان تناولا جانبا من سيرة نيرودا، وهذان الفيلمان – ويا للمفارقة - لم تكن السيرة هي المحور والاساس الذي بني عليها الفيلمان .. الفيلم الاول هو فيلم ( ساعي البريد ) للمخرج مايكل رذرفورد، والفيلم الثاني (نيرودا) للمخرج التشيلي بابلو لارين، والذي اتيحت لي مشاهدته في هذه الدورة من مهرجان دبي السينمائي. اللافت للنظر هو ان الفيلم الاول يتحدث عن ساعي البريد وليس عن الشاعر.. عن رجل يدعى “ماريو روبولو” في جزيرة (كالا دي سوتو)، وكان قد ترك مهنة صيد الأسماك لأنه لم يكن يحبها، ليقول له والده: أنت لم تحب الصيد قط!.. يقرأ إعلاناً عن طلب ساعي بريد، العمل يناسبه فهو يفي بالشرط ويتقدم للوظيفة لكنه يفاجأ ان هذه الوظيفة تقتصر على خدمة بريد شخص ماهو الا الشاعر بابلو نيرودا، الذي يعيش منفيا في الجزيرة الايطالية..يركز سيناريو الفيلم على تحولات ساعي البريد، وهو ما يأخذ الحيز الأكبر في الفيلم حيث تبدأ علاقته بالشاعر أو الوظيفة من خلال الحصول على مبلغ من المال لقاء خدمته من اجل تذاكر السينما .. لكنه سرعان ما يصبح مأخوذا بشخصية الشاعر ولطفه الى درجة يطلب فيها منه توقيع كتابه، لندخل مع الاثنين في علاقة يكون الشعر طرفا فيها .. وتخلق من ماريو انسانا اخر، وتجعله ذا شخصية مختلفة خاصة في علاقته مع باتريشا الفتاة التي يحب، حيث يستعين بقصائد نيرودا عندما يقول لها “أحب صمتك لأنه يجعلك وكأنك غائبة” او “ابتسامتك تحلق مثل الفراشة”.حتى في ابتعاد نيرودا عن الجزيرة يصبح بالنسبة لساعي البريد قدرهُ حد الاستلاب ... الفيلم اذن عن ساعي البريد لا عن نيرودا ,, لكننا نلمس الوجود القوي للشاعر بتحولات هذا الساعي حتى في فراقه عن نيرودا.في فيلم( نيرودا ) اختار المخرج جانبا آخر من حياة الشاعر ولكن بمزيد من الخيال هذه المرة ... شخصية الشاعر في هذا الفيلم موضوع لحكاية الضابط الذي يلاحقه .
الفيلم ليس سيرة ذاتية بل حكاية شاعرية مثيرة ، تمزج حقائق تاريخية بالخيال، بطريقةٍ هزلية تتشح بلقطات فاحشة وعاطفية. ويقول المخرج بابلو لارين: «لا نتعامل بالفكاهة التي تأتي من الهزل، كقول جملة ما توضح تفاصيل نكتة من شأنها إضحاك المشاهد. وإنما اعتمدنا على الظروف، على مفارقات قد تبدو تجريدية إلى حد ما ولكن من شأنها خلق شيء مضحك. فالفكاهة هي أرجح طريقة يمكن من خلالها قول أشياء قد تبدو في سياق مغاير على أنها أشبه بالوعظ».
الفيلم يختار زمن نهاية الأربعينات في تشيلي، حيث يتهم نيرودا بالخيانة ومطلوب للسلطة ، وبالطبع لايتركه رفاقه بل يوفرون له سبيل الهرب لتبدأ رحلة المطاردة مع الضابط الذي يطارد الشاعر الهارب في بلده. لكنه يتحول من شخصية البطل الى ضحية. يصل الضابط في مطارته الى مخبأ بابلو لكنه يكون قد هرب وترك ديوان شعر وإهداء شخصي .. ومع مرور الوقت يكتشف ونكتشف نحن المطارِد – بكسر الراء – قد افتتن بالمطارَد –بفتح الراء - ... ولم يبق الا الشعر ببهائه...
في (نيرودا) كانت شخصية الشرطي هي المحور بينما جاءت شخصية نيرودا وشعره ظلالاً تديم الحكاية .
نيرودا
[post-views]
نشر في: 28 ديسمبر, 2016: 03:13 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...