يمكننا أن نقرأ رسالة المرجعية في النجف التي وجهتها للتحالف الوطني، وكذلك رسالة المدن العراقية عشيّة الاحتفال بأعياد السنة الميلادية قراءة موجزة تقول: الشعب بحاجة الى حكومة تتناغم مع تطلعاته في الحياة، لا إلى حكومة تستثمر عواطفه ومآسيه وأحزانه. هكذا ببساطة، وبين هذه وتلك، يمكننا ان نقرأ أكثر من رسالة، تفيد جميعُها بأن مرحلة قيادة أحزاب الإسلام السياسي قد انتهت الى غير رجعة، وأن خلاص البلاد في حكومة مدنية، قوامها الأساس هو في الفصل بين السلطات، وفصل الدين عن السياسة، وتعتمد مبدأ المواطنة، خارج أية محاصصة، فلا أغلبية طائفية حاكمة ولا أقلية دينية مقصاة، ولا تيارات مدنية مستثناة.
لن نكون بحاجة الى قراءة عميقة لرسالة السيد السيستاني، التي قضت بالقطيعة النهائية مع التحالف الوطني، فهي واضحة تمام الوضوح، لكننا سنتوقف عند احتفال الشعب العراقي في مدن الوسط والجنوب، وعلى اختلاف مذاهبه وطوائفه، ليلة اعياد رأس السنة الميلادية، حين خرجت الجماهير محتفلة بما بين أيديها من الضوء والنور والثياب الجديدة والأغاني ، حين أمست بغداد والبصرة وباقي المدن كتلة من ضوء، ارتفعت في سمائنا من اقصى الوطن الى أقصاه، ولا نريد ان ندخل المطاعم والكازينوهات والأندية والبيوت، ذلك لأننا سنعثر على أرقام فلكية في كمية الطعوم والأشربة والأنبذة التي تناولها العراقيون ليلتئذ، فرحين، سعداء، محتفلين. ربما أتجاوز التصور الى ان مراسم العيد دخلت كل بيت عراقي، وربح تجار الالعاب النارية والدمى والملابس والكرات الملونة والمصابيح ما لم يربحوه في باقي الايام. ألا تمنحنا الرسالة هذه الصورة القادمة لشكل الحكومة؟ ألم تصبح حكومة الإسلام السياسي كريهة الى الحد هذا؟
بموجب الدستور العراقي، ليست هناك فقرة تقول بتقاسم السلطة بين القوى الثلاث الرئيسة، من هنا يجوز لنا القول: ترى، ما الذي سيخسره العراق إذا أنيطت مهمة رئاسة الوزراء بشخصية وطنية سنية، شيعية معتدلة، كردية عابرة لحدود القومية، مسيحية، تركمانية؟ إذا كان وجود هذه الشخصية رادما للهوة بين الطائفتين، وستعمل على حقن دماء العراقيين؟ ذلك لأننا لو سألنا أبناء الطائفة الشيعية، السؤال التقليدي: ترى، ما انتفاعكم، طوال عقد ونيف من وجود رئيس وزراء شيعي في بغداد؟ ولو أجرينا معادلة بسيطة، في كمية الدم التي أريقت لوجدنا أن الدم الشيعي كان الأكثر نزفاً، مع يقيننا بعدم جواز مثل هكذا معادلات. يا ترى، متى يتوجب على الشعب أن يسأل أسئلة كهذه؟ ومن سيعمل على نزع فكرة البقاء على رئاسة الوزراء بيد الشيعة من رؤوس الملايين، الذين يذبحون يوميا بسبب من هذه؟
أعتقد، جازماً بأن المرحلة القادمة ستحمل في جوفها أسئلة كهذه، وستكون بمتناول المواطن العراقي أكثر من إجابة، لكن ذلك لن يكون فاعلاً، إلّا إذا كانت المرجعية النجفية وراء ترسيخ المبدأ القائل أنْ ليس من موجبات الحكم ان يكون رئيس الوزراء شيعياً، الأصل في الحكم هو الوطنية والعراقية الحقة، مع علمنا بأنها عملت على وفق المبدأ هذا منذ سنوات، لكن لصوص الدين الذين أدخلوه لصالح العمل السياسي، وأصحاب الأجندات الطائفية تمكنوا من سرقة واستثمار مبادئ المرجعية، واستغفال الناخبين، الأمر الذي أوصلنا الى ما نحن عليه.
رسالتان صريحتان للشعب
[post-views]
نشر في: 3 يناير, 2017: 09:01 م