TOP

جريدة المدى > سينما > بيلا تار.. نظرة على سينماه (2-2)

بيلا تار.. نظرة على سينماه (2-2)

نشر في: 5 يناير, 2017: 12:01 ص

بأسلوبه المائل للكوميديا السوداء، حول المخرج الهنغاري بيلا تار – المايسترو الحداثي لبقايا سينما الابيض والاسود- المناظر الطبيعية لبلاده المجر في مرحلة مابعد الشيوعية الى خلفية اساس في كادراته للتعبير عن شعور الوحدة والاضمحلال. افلامه يغمرها الد

بأسلوبه المائل للكوميديا السوداء، حول المخرج الهنغاري بيلا تار – المايسترو الحداثي لبقايا سينما الابيض والاسود- المناظر الطبيعية لبلاده المجر في مرحلة مابعد الشيوعية الى خلفية اساس في كادراته للتعبير عن شعور الوحدة والاضمحلال. افلامه يغمرها الدخان والضباب والمطر، وبنفس القدر تتلبد وجوه أبطاله بتعابير الكآبة والفكر السارح والافراط بالشراب. بعد فيلمه (حصان تورينو) قرر التقاعد عن عمل الافلام، وفي هذا الحوار الذي اجراه معه الناقد آر. أيميت سويني يستعرض مجمل مسيرته السينمائية.

* مناظر الطبيعة يبدو أنها صارت تحظى بأهمية متزايدة في أفلامك.
- المنظر الطبيعي هو أحد الشخصيات الرئيسية. المنظر الطبيعي لديه وجه. لذلك يتوجب علينا أيجاد المكان المناسب، مثلما يتطلب منا العثور على الموسيقى المناسبة. وهنا يتضح لماذا احتاج لتحضير الموسيقى قبل بدء التصوير، لأنها هي ايضا شخصية رئيسية بأفلامي.
* ثم جاء فيلم شاتانتانغو (1994). كيف استطعت صناعته؟
- فيلمي (الادانة) كان يعرض ضمن فعاليات مهرجان برلين السينمائي، ولكن في هنغاريا الجميع نفر منه، السياسيون كرهوه، وقد أخبروني بكل وضوح، أنني لن اكون قادراً على عمل افلام اخرى في المجر. فانتقلت للسكن في برلين. وعندما كنت هناك سقط الجدار. بعد ذلك عدت الى هنغاريا، وبدأت في صناعة (شاتانتانغو).
* الى اي درجة أقترب الفيلم من الرواية؟
- سعينا للحفاظ على بنية الرواية. مثل رقصة التانغو، ست خطوات للامام وست للخلف. حافظنا على ترتيب الفصول وكثير من الامور الاخرى. لم يكن اقتباسا حرفيا للرواية، لأن لغة الادب مختلفة عن لغة السينما. لايوجد طريق مباشر بين العالمين.
* هل تعتقد ان استخدامك للقطات تتبع طويلة هي الطريقة الامثل للتعبير بصريا عن جمل لازلو الملتوية الغامضة؟
- اللقطات كانت تطول لتتماشى مع تفكيري. لا أعلم كيف تسنى للقطاتي ان تطول وتطول بهذا الشكل. كان اللقاء مع لازلو مثمراً، لأن رؤيتنا للعالم متشابهة. ولهذا السبب عملنا معاً. لم نتحدث مطلقاً عن الفيلم، او عن الفن، حوارنا كان دائما عن الحياة. بالطبع هو كاتب جيد، وعباراته مكتوبة بطريقة جميلة. دوري كان ايجاد الطريق الامثل لتجسيدها بصريا على ارض الواقع. عندما تصور فيلماً، فإن كل ماتقوم به هو تصوير للواقع. شيء موجود بالفعل. وكما تعلم فإن الاحساس لهكذا فيلم بالامكان تلمسه بشكل واضح، لصلته بواقع العيش.
* وهل وجدت نفس هذا الشعور لدى ممثلي الفيلم؟
- لم يكونوا مجرد ممثلين، كانوا أصدقاء. لكن العمل في هذا الفيلم كان فوضى كبيرة.
* فوضى؟
- نعم، لأن كل شخص في فريق العمل اصبح مجنونا تماماً بسبب المدة الطويلة التي استغرقها التصوير. لقد تطلب منا عامين لاكماله. لم نستطع التصوير في الصيف لأن اوراق الاشجار كانت يانعة ولم تسقط بعد. كما أننا توقفنا عن التصوير في الشتاء بسبب الثلج. كانت فرصتنا الوحيدة في التصوير هي أول الربيع او أخر الخريف.
* أتصور ان (شاتانتانغو) أكثر فيلم مضحك من بين مجمل أعمالك.
- كل افلامي هي كوميدية، ما عدا (حصان تورينو).
* تماماً، الكوميديا تواصلت في افلامك كما في فيلم هارمونيات فيركمايستر (2000). وحكاية أختيار لارس رودولف لأداء الدور الرئيسي. هل هي حقيقة أنك لم تكن تنوي صنع الفيلم حتى التقيت بلارس؟
- نعم. كنت قد قرأت رواية (ميلانخوليا المقاومة) وأحببتها، لكن لم أتصور ان بالامكان تحويلها الى فيلم، اعتقدت ان لا احد بمقدوره لعب دور (فالوشكا) الشخصية الرئيسية فيها. لاحقاً في برلين، كنت بورشة سينمائية مع مخرجين شباب. واحدة من المشاركين كانت قد أجرت اتصالا بشخص لكي تجري له اختبار أداء من أجل فيلمها القصير، وشاهدته، كان يجلس في زاوية القاعة. لم يكن ممثل اصلاً، وقتها كان يعمل كموسيقي يعزف بالشارع للمارة. كنت أتطلع اليه وقلت لنفسي انه رائع، هذا الشخص بامكانه أن يصبح فالوشكا. بعد ذلك اتصلت بلازلو وقلت له، الان باستطاعتنا عمل الفيلم، لقد وجدت (فالوشكا).
* ما الذي وجدته في لارس لتجعله مناسباً للدور؟
- أحببت شخصيته وحضوره، والتي هي كافية تماماً بالنسبة لي.
* لقد قلت مسبقاً بأنك تكره القصص، ولكن في فيلم رجل من لندن (2007)، أعددت السيناريو عن كتاب لأحد أشهر رواة الحكايات الكاتب جورج سيمنون.
- لم يكن تكييفاً بالمعنى الحرفي. أنا فقط أحببت الجو العام للرواية. كنت قد قرأتها قبل 20 عاماً، والشيء الوحيد الذي أتذكره منها هو الجو العام. صور لرجل تجاوز الخمسين، يعيش حياة رتيبة جداً، وليست لديه أي فرصة للتغيير. يجلس وحيداً في قفصه، بينما تغط المدينة في نومها بالليل الحالك. حقاً كان رجلاً وحيداً. كانت لدي الرغبة لصناعة فيلم عن احساس الوحدة. شخص ما فوق الخمسين من عمره وليست لديه اي فرصة لتغيير حياته. ماذا سيحدث حينما يتحصل على هذه الفرصة؟ انها غواية كبيرة.
* (رجل من لندن) أحد أكثر أعمالك السينمائية ارهاقاً للمشاهد، كما أنه أكثر بُطئا بايقاعه من بقية أفلامك. تعاملت مع فريد كيليمان كمدير تصوير للفيلم. ما هي الاضافة التي قدمها؟
- فريد كان أحد طلابي في سنته الاولى بمعهد السينما ببرلين أوائل التسعينات. بعد ذلك أصبح مخرجاً سينمائياً، ثم عمل معي كمدير تصوير لفيلم تلفزيوني قصير صنعناه لحساب التلفزيون الهنغاري عنوانه (رحلة عبر السهول). في مرحلة التحضير لفيلم رجل من لندن، كنت أفكر مع نفسي ان فريد بامكانه تحقيق المطلوب. اتصلت به واتفقنا. ولم يخيب ظني فقد أدى عمله على أتم وجه. لطالما كان قريباً مني بشكل كبير.
* وجود تيلدا سوينتون في الفيلم بدا مختلفا نوعاً ما مع الاداءات المعتادة بأفلامك. كيف وقع الاختيار عليها؟
- كان أمراً طريفاً. كنا قد أكملنا جميع الكاست ما عدا دور الام. أغنيس قامت بالبحث في اسماء الممثلين ووكلائهم، ثم وجدت صورة صغيرة وغير واضحة لتيلدا. لم يكن اسمها مكتوباً على الصورة، فقط رقم هويتها. سألنا عنها (من هذه المرأة؟)، وعندما أخبروني دهشت، وفكرت مع نفسي وقلت اللعنة. اتصلت بها وسألتها ان كانت ترغب بالقدوم وأخذ الدور، وعلى الفور أجابت نعم. لقد أحببت العمل معها.
* لنتحدث عن أول افلامك غير الكوميدية. (حصان تورينو)، كيف نشأ؟
- عندما التقيت بلازلو اول مرة، وكان ذلك في العام 1985، دار نقاش بيننا ومع الوقت أصبحنا أصدقاء. في احدى المرات كان لديه محاضرة وقرب نهايتها قرأ حكاية نيتشه مع الحصان ثم أضاف هذا السؤال (ما الذي حدث للحصان؟). بعد ذلك صرنا نتباحث ومن وقت لآخر حوله. ولطالما عدنا اليه طوال السنين. بمجرد انتهائي من عمل فيلم (رجل من لندن)، اتخذت قراري بالتوقف عن صناعة الافلام. ولكني بذات الوقت كنت افكر وأتحدث مع لازلو، قلت له هناك دين في أعناقنا. علينا الاجابة على السؤال ( ما الذي حدث للحصان؟). تكثفت حواراتنا كثيراً حوله، وعندها تيقنت أنه سيكون فيلمي الاخير.
* كيف التقيت بالممثلة أريكا بوك التي أدت دور الابنة في (حصان تورينو)، وقبلها كانت قطعة مهمة في فيلمي شاتانتانغو ورجل من لندن؟
- كانت فتاة صغيرة تعيش بدار للأيتام. في الحقيقة كانت أقرب لفتاة برية. لكننا بطريقة او بأخرى أستطعنا التآلف معها. كانت منغلقة على نفسها بشكل لايصدق، لدرجة أنها لم تكن قادرة على قول مرحباً. ما ميزها امتلاكها لتلك العيون الجميلة والتي بدت فيهما كما لو أنها ارنب صغير. دائما كانت تنزوي في ركن الغرفة، دائماً خائفة. مع الوقت كبرت ونضجت وبات لها حضورها الخاص. العمل معها كان تجربة مدهشة.
* شخصية الجار الذي يقدم ذلك الخطاب الفلسفي الفخم عن حالة العالم في فيلم حصان تورينو، نموذج يمثل شخصيات العديد من السكارى المقدسين والعقلاء المجانين الذين يظهرون بأعمالك. من الذي كتب هذه الخطبة تحديداً، وما هو سر انجذابك لأنبياء البارات هؤلاء؟
- لازلو من كتبه. كان أحد ارهاصات الوضع أثناء التصوير، لكنها بالتأكيد نبعت من رؤيته الشخصية. هي حالة انسانية موجودة. لو تسنى لك الذهاب لأقرب حانة ستجد الناس هناك أثناء انتظارهم للمشروب دائما ما يتكلمون ويتكلمون ويتكلمون، بعدها سيتحصل على قنينة شرابه...
* احتوت أفلامك على بعض أعظم مشاهد الثُمالة في التاريخ. ما الذي تجده أنت شخصياً في تناول الشراب؟
- نوع من المتعة. وبالطبع فالامر جزء من حياة الناس. علينا السعي لاظهار البهجة في العيش، ومع تناول الخمر تبدو جودة المتعة أكثر وضوحاً. أمر سينعش الحياة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram