"خطف" في "لسان العرب" لشيخنا ابن منظور له معانٍ عدة، يختصرها قولنا: مرّ خطفاً، وخطف بصره أو سمعه، وغيرها ليس من بينها من "خطف" إنساناً، ولغتنا، اليوم، تتفوق على أصولها فلا تجد لمفرداتها معنى يخصّ ما يجري في بلدنا الخاطف والمختطف. كلنا خاطف ومختطف. الوطن خاطف ومخطوف والمواطن خاطف ومخطوف. يختطف مواطن فيطالب الخاطف بفدية أو يبتز عائلة أو جماعة أو عشيرة أو "طائفة من المؤمنين" فيستجيبون أو لا يقدرون. في زمن صدام حسين كان هو الخاطف الرئيس، المعلوم، عندما كان الناس يختفون وهم يتبضعون أو يتنزهون مع أطفالهم أو في طريقهم إلى أعمالهم. الخاطف كان معروفاً والمخطوف أيضاً. المخطوف، في زمن "مرحوم الصفحة" ذاك، كان مناضلاً يسارياً أو ديمقراطياً أو مستقلاً من أهل الله.
نعم، كانوا يستجوبون المستقل: لماذا أنت مستقل؟
"مستقل" تعني أنت لست معنا. يعني: أنت معهم.
من هم؟المستقلون الذين ليسوا معنا. لكنني نأيت بنفسي من السياسة فاخترت أن أكون مستقلاً. خذ المستقل، هذا، واجعله يعترف. بماذا يعترف ياسيدي؟بأنه ليس معنا. يأخذه هذا ليجبره على الاعتراف لماذا أنت مستقل؟لكن "هذا" يسأل سيده: ما معنى أن يكون الشخص مستقلاً، يا سيدي؟يعني أنه ليس معنا، يا حمار. لا يجد المختطف خياراً، فإما أن يكون "معهم" أو لن يعود مستقلاً، وهو بين خيارين. يعني بين موتين: أن يكون معهم فيموت ضميره ويعيش جسده أو يموت جسده ليحافظ على ضميره. في كلا الحالين الخاطف معروف والمخطوف معروف. كان صدام حسين خاطفاً وحيداً والمخطوف وحيداً. اليوم، الخاطفون كثيرون والمخطوفون أكثر. خاطفو اليوم جعلونا نترحم على خاطف الأمس رغم قسوته، فأية قسوة ما نشهدها اليوم؟ما سلف من سطور كان "فاصل" لأعود إلى قصيدتي. وقصيدتي حكاية حب بين خاطف ومخطوفة!عاملها بالحسنى فقبّلت حذاءه لأنه أطلق سراحها!
الضحية عبد الجلاد لأنه منّ عليها بإرخاء الحبل!لكن بين الخاطف والمخطوف سيرة وطن هو ليس أكثر من بلاد، لأن الوطن يشترط مواطناً والبلاد لا تشترط إلا من دخلها أو خرج منها، ناس من كل حدب وصوب من بكر صدقي إلى بول بريمر. من اختطف من؟اختطفوا مواطناً بالأمس وسيختطفون آخر. بين اختطافين اختطاف ثالث قد يكون أنا أو أنت أو هي. في مطار بغداد قلَّب ضابط شاب، بعمر ابني، جواز سفري البريطاني فشتم بريطانيا ومن منحني هذا الجواز فخفت، لكني تشجعت وهددته بأنني سأتصل بسفارة بلدي البريطانية فخاف هو أيضاً. حدست أنها الخطوة الأولى للاختطاف. لكنني لم اختطف. تدخل ضابط كبير حاول أن يجد مسوّغاً لاختطافي فلم يجد لأني عرضت عليهم بطاقة السكن وهوية الأحوال المدنية وشهادة الجنسية ونشرة الأحوال الجوية...إلخ. لكن اختي عندما حكيت لها قصتي تذكرت ابنها المختطف. سألتها: هل قدمت شكوى في مركز الشرطة؟
قالت: مركز الشرطة مختطف. قلت: ومجلس القضاء الأعلى؟
قالت: مختطف. ووزارة العدل والداخلية؟
ردت: مختطفتان. والحكومة؟
مختطفة. سألتها مجدداً: والدولة؟
كررت: مختطفة كلها. إذن، كلنا مختطفون يا أختي.
سألت ثالثة: من خطفنا؟
أجابت وهي تخفي حيرة مريرة تحت عباءتها: لا أدري.
عدت إلى قصيدتي لأكملها فلم استطع إذ أني بحثت عن سطورها الأولى فلم أجدها.
في تلك الغرف التي لا يدخلها إلا معصوبو الأعين لا مجال للضوء.. أي ضوء، حتى ضوء الكلام.
وقصيدتي؟
كانت قصيدتي معصوبة العينين.
قصيدتي مختطفة.
في الخطف والاختطاف
[post-views]
نشر في: 9 يناير, 2017: 09:01 م