بين بيوت الصفيح وبيع ما يمكن من مواد في تقاطعات المرور والأسواق الشعبية، يقضي الطفل سجّاد جلّ يومه، فهو يخرج باكرا، صوب محال الجملة ليشترى (الكلينكس) ويعود في آخر النهار على مقربة من الغروب ببضعة دنانير يجنيها من توسّله بأصحاب السيارات كي يشتروا منه،
بين بيوت الصفيح وبيع ما يمكن من مواد في تقاطعات المرور والأسواق الشعبية، يقضي الطفل سجّاد جلّ يومه، فهو يخرج باكرا، صوب محال الجملة ليشترى (الكلينكس) ويعود في آخر النهار على مقربة من الغروب ببضعة دنانير يجنيها من توسّله بأصحاب السيارات كي يشتروا منه، حيث التعب قد نال منه الشيء الكثير. سجاد واحد من آلاف الصبيان الذين دفعهم الفقر والعوز الى العمل المبكر تاركين احلام الصبا والدراسة واللهو في مدن الألعاب لغيرهم . في ذات الوقت تزداد مخاوف سجاد وأقرانه من البقاء تحت مستوى خط الفقر لفترة اطول دون ان تعالج الحكومة ذلك.
من بين كلّ عشر عوائل، ثلاثٌ فقيرة
الباحث مؤيد عبد الستار يوضح ان وزارة التخطيط اعلنت ان نسبة الفقر في العراق بلغت عام 2016 (30%) من السكان، اي ان ثلث سكان العراق هم فقراء، في الوقت الذي كانت فيها عام 2013 حسب الوزارة (13 %) اي ان نسبة الفقر تضاعفت خلال ثلاثة أعوام فقط .متابعا: واذا اردنا ان نحسب الأرقام المعلنة "حساب عرب" كما يقال، فمن بين كل عشرة اشخاص لدينا ثلاثة فقراء، بمعنى ان من بين كل عشر عوائل، ثلاث فقيرة، فمن الذي يعيل هذه العوائل الفقيرة؟ مضيفاً: ولكي نفهم الأرقام بشكل أفضل، يجب ان نحدد ماذا نقصد بالفقير او بالأسرة الفقيرة ؟ فالفقير هو الشخص الذي لايستطيع ان يلبي متطلبات الحياة الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن.
ويوضح الباحث: ان هذا ابسط تعريف للفقير، وحين نقول انه لا يستطيع ان يلبي المأكل فهذا يعني انه لا يستطيع شراء ما يلزمه من غذاء من السوق بالأسعار المعلنه، لأنه فقير، لادخل له يستطيع من خلاله شراء ما يسد به رمقه. منوهاً: لذلك فهو يعتمد على مصادر اخرى، مثل مساعدة الأقارب، او الحصة التموينية، او التسول، او غير ذلك من أساليب يضطر اليها من اجل إسكات نداء الجوع.
استغلال الفقراء انتخابياً
وبشأن الأزمة الخانقة في السكن بسبب تزايد عدد السكان، قياساً بعدد المجمعات السكنية، إضافة إلى عجز المواطن ذي الدخل المحدود عن بناء وحدة سكنية خاصة به، بسبب غلاء الأراضي ومواد البناء. بهذا الشأن بيّن عبد الستار: ان ثلث سكان العراق لايستطيعون السكن بمنزل لائق، كثير منهم يعيشون في العشوائيات، وهي تجمعات تفتقر الى أبسط مقومات السكن اللائق بالإنسان. مستطرداً: ترى آلاف الأسر العراقية تعيش قرب المزابل وفي بيوت الصفيح والأكواخ الفقيرة الشبيهة بمغارات وكهوف العصور المظلمة. مشدداً : ان ثلث سكان العراق جياع، البلد النفطي الغني الذي ينافس السعودية وايران في تصدير النفط، ثلث سكانه فقراء، لا يستطيعون سد رمقهم.
يسترسل الباحث والكاتب: علينا ان نتخيل كم من الجرائم تحدث بسبب هذا الجوع، جرائم جنائية، جرائم اجتماعية وأخرى سياسية، فمنهم من يبيع أعضاءه وكِليته كي يحصل على المال، ومنهم من يبيع جسده في أسواق الرقيق الأبيض، ومنهم من يبيع مواقفه السياسية. مردفاً: لذلك تجد في شراء أصوات المعدمين سوقاً رائجة، فهذا نائب برلماني يتاجر بالبطانيات وذاك يتاجر بالأراضي وآخر بالمدافئ النفطية من اجل خداع المواطنين المحتاجين وكسب اصواتهم لصالح حزبه ... وهلمّ جرا .
زيادة النسبة وتفاقم المشاكل
يعاني العراق بطالة كبيرة سواء بين فئة الشباب القادرين على العمل أو بين الخريجين الجامعيين، ويعتقد العديد من الخبراء الاقتصاديين أن التقديرات الإحصائية لهؤلاء الشباب لا تعبر بالضرورة عن الواقع الموجود فعلاً. هيثم عبد الكريم ،ناشط في احدى منظمات حقوق الانسان، ذكر ان الكثير من المواطنين لايتمتعون بأي من حقوق الانسان ان كانت في مجال التعليم والصحة وتوفير الخدمات او في بقية القطاعات الأخرى. مضيفاً : ان ارتفاع نسبة الفقر في البلاد تعد مؤشراً خطيراً على انتهاك حقوق الانسان . لافتاً: ان فشل الحكومة في الحد من الفقر في السنين المقبلة سيفاقم الأعداد وبالتالي سوف تتفاقم المشاكل التي تنتج عن ذلك.
واضاف عبد الكريم: ان اعداداً ليست بالقليلة تسكن في مناطق نائية بعيدة لم تصلها المسوحات الحكومية فيها نسبة غير قليلة من الفقراء. مردفاً: على الحكومة إعداد الخطط الكفيلة بالقضاء على الفقر او خفض معدلاتها من خلال إعادة الحياة للكثير من المفاصل الإنتاجية ان كانت زراعية او صناعية.
ثمن العلاج ياحكومة !
على احدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي نشر إعلان يفيد بوجود عائلة الأب فيها يعمل عتالاً ويسكنون بيتاً بالإيجار ولديهم طفلان يشكو الأول منهما التهاباً في القصبات التنفسية والآخر مصاب بمرض تكسر كريات الدم، قبل ايام رزقوا بطفلة ثالثة وضعت في قسم الخدج في احد المستشفيات الحكومية، وان الأب لم يتمكن من دفع نفقات وتكاليف العلاج البسيطة والتي تشمل أجور المبيت اليومي (٥) آلاف دينار والطبلة (٤٥) ألفاً والإبره سعرها(٧) آلاف والمحلول بـ (٣) آلاف وقناني المغذي سعر الواحدة ألف دينار ونصف، اضافة الى مصاريف اخرى تم التكفل بها وجمعها من خلال حملة تبرعات شعبية تكفّل بها احد الاشخاص.
بالتالي يرد تساؤل: كم عائلة على هذا الحال وكم فقير لايملك ثمن العلاج الذي يُغيب او يُسرق في المشافي الحكومية، والى متى يبقى الناس يتكافلون بينهم فيما الساسة تزداد أرصدتهم في البنوك ،حسبما ذكر المواطن سامي محسن، الذي اشار ايضا الى وجود حالات اكثر بؤساً وفقراً من العائلة المذكورة.
الحكومة تعترف بالارتفاع
وسط تفشي الفساد وغرق مؤسسات الدولة بملفاته التي رفعت نسب الآثرياء في البلاد على حساب شرائح الشعب الأخرى كشفت وزارة التخطيط عن ارتفاع نسبة الفقر في البلاد الى (30%) خلال العام الماضي 2016، بعد أن سجلت (22% ) خلال آخر مسح أجري في العام 2014، فيما كشفت عزمها على إجراء مسح جديد خلال الربع الأول من العام الحالي.
وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي ،في حديثه الـى (المدى)، إن التقديرات تشير الى أن نسبة الفقر بالعراق قد ارتفعت الى (30%) خلال العام الماضي 2016 بعد أن كانت (22%) في آخر مسح أجرته وزارة التخطيط في العام 2014. مبيناً: أن الوزارة ستجري مسحاً جديداً لمستويات الفقر خلال الربع الأول من العام 2017 الحالي بهدف إعطاء نسبة دقيقة. مضيفا أن نسبة الفقر بالعراق سجلت (13%) في عام 2013 إلا أنها ارتفعت الى (22%) خلال عام 2014 بعد احتلال تنظيم (داعش) لعدد من المحافظات، إضافة الى انخفاض أسعار النفط بالأسواق العالمية التي فاقمت من حدة الفقر بالعراق.
(5 %) في الفقر المدقِع
وزارة التخطيط سبق وان اعترفت في الـ(12 من أيار 2013)، بفشل الخطة الخمسية التي وضعتها عام 2010 للسنوات (2010-2014)، التي تهدف إلى تقليل الفوارق بين مناطق الحضر والريف، وزيادة الناتج المحلي، فيما أكدت أن العراق مايزال بعيداً عن الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة. كما أعلنت في (حزيران 2011)، أن نسبة مستوى الفقر في العراق بلغت نحو (23%)، ما يعني أن ربع سكان العراق يعيشون دون خط الفقر، منهم ما يقرب من (5%) يعيشون في مستوى الفقر المدقع، في حين أشارت في الثالث من حزيران 2012، إلى أن إحصاءاتها أكدت أن نسبة البطالة في المجتمع العراقي بلغت 16%.
البرلمان يقول 35 %
لكن عضو اللجنة المالية في البرلمان نجيبة النجيب، كشفت عن ارتفاع معدل الفقر في العراق إلى 35% في أعلى معدل تصل إليه البلاد منذ نحو 100 عام إبان الانتداب البريطاني مطلع القرن الماضي. وأوضحت البرلمانية ، في بيان صحافي، أن لجنة مشتركة بين البرلمان والحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق، وبعد عقد اجتماعات لمناقشة مواضيع اقتصادية ومالية، توصلت إلى أن معدل الفقر في العراق ارتفع من 13.7% في عام 2013، ليصل الى 35% في 2016.
مضيفة: أن المتابعة أوضحت أن "35% من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، في المناطق الخاضعة لإدارة الحكومة الاتحادية العراقية، في حين تصل نسبة الفقر في إقليم كردستان إلى (16%)." متابعة: ان معدل الفقر في إقليم كردستان كان (3.7% ) في عام 2013، لكنه تضاعف عدة مرات ووصل في 2016 إلى ما بين (15 و16%).
قروض المشاريع الصغيرة
وبشأن ارتفاع النسبة في الإقليم أرجعت نجيب أن أسباب الزيادة الكبيرة في معدلات الفقر في الإقليم تعود إلى قيام الحكومة الاتحادية العراقية في بغداد بقطع حصة الإقليم من الموازنة العامة، وكذلك بسبب خوض الإقليم الحرب ضد تنظيم "داعش" منذ سنتين ونصف، وازدياد أعداد اللاجئين والنازحين الواصلين إلى إقليم كردستان وعدم توفر دعم خارجي لمساعدتهم وإيوائهم وتحمّل حكومة الإقليم مصاريف هذه العملية. مشيرة إلى: أن الحكومة العراقية ستصرف أموالاً للجنة تم الاتفاق على تخصيصها لمواجهة الفقر، تتضمن توفير فرص العمل وتوفير الدعم بمجالات التربية والتعليم والصحة، وصرف قروض للمشاريع الصغيرة. موضحة: أن الحكومة العراقية ستتصل بجهات دولية لدعم جهود العراق بهذا الخصوص مثل البنك الدولي ومنظمة اليونيسف.
زيادة المعاناة بدل التعويض
وبحسب مراقبين ومختصين بالشأن الخدمي، فإنه يشهد تردياً واضحاً في سوء الخدمات على المستويات العمرانية والصحية والخدمية، فيما يتم تخصيص ميزانيات مالية كبيرة لتلك الأغراض تهدر هنا وهناك ويسرق منها الكثير. الموظف المتقاعد مهدي كريم أوضح أن أحد أسباب تصاعد نسب الفقر هي الحكومات التي لم تولِ الشعب اهتماماً بقدر اهتمامها بمصالحها الخاصة وشراء أصوات الفقراء الذين يغيب عنهم الوعي.
لافتاً الى: ان انحدار التعليم يتسبب هو الآخر في تدني نسبة الوعي وان الحكومة لها اليد الطولى في تدنّيه. مبينا: ان استمرار تصاعد نسبة الفقر يؤشر عدم جدية النظام السياسي الجديد في البلاد بتعويض الناس عما عانوه ايام النظام السابق.