TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مقهى بغداد

مقهى بغداد

نشر في: 16 يناير, 2017: 06:22 م

adnan.h@almadapaper.net

كما كان متوقعاً، أُسدِلت الحُجُب وانفضّ السمّار بعدما أكلوا وشربوا حدّ التخمة، وتمنّوا لبعضهم البعض أن يلتقوا في "حوار" آخر حافل هو أيضاً بمعسول الكلام وبأطايب الطعام.
في الوقت المحدّد بالضبط انتهت أعمال مؤتمر "حوار بغداد" الذي حفل كذلك بـ "الكلمنجية" المستوردين من خارج الحدود، فضلاً عن "كلمنجية" الداخل الذين أتقنوا خطاب البلاغة والنحو والصرف على مدى ثلاث عشرة سنة، بيد أنّ خبرتهم الطويلة لم تسعفهم في تقديم المفيد.
السادة المتحاورون لم يطرحوا علينا في نهاية مؤتمرهم، مثلاً، أيّ فكرة رصينة تنفع في خلاصنا من وباء الفساد الإداري والمالي. هم لم يبيّنوا لنا كيف السبيل إلى الإصلاح الموعود منذ سنوات والتحرّر من نظام المحاصصة اللعين الذي توافقت عليه الطبقة السياسية الحاكمة وتتمسك به بالاظافر والأنياب، وجعلت منه بديلاً عن دستور 2005 الذي تحمّس الشعب العراقي للاستفتاء عليه متحدّياً الإرهابيين بمفخخاتهم ورصاصهم.
 ولم يتفضّل علينا المتحاورون في الملتقى البغدادي بما ينوّرنا ويكشف لنا أسرار وألغاز اختفاء ما يزيد على 600 مليار دولار من الموازنات السنوية للدولة، ما جعل هذه الدولة وخدماتها تتراجع إلى الوضع الذي كانت عليه قبل قرن كامل من الزمن، يوم كانت هذه الدولة تحت ربقة السلطنة العثمانية ثم مسرحاً لعمليات الحرب العالمية الأولى (عضوة مجلس النواب نجيبة نجيب أعلنت في يوم انتهاء المؤتمر أن 35 بالمئة من العراقيين يعيشون الآن تحت خط الفقر، وهي أعلى نسبة منذ مئة سنة، وعشية المؤتمر كانت وزارة التخطيط قد قدّرت النسبة بـ 30 بالمئة). كما لم ينوّرنا المتحاورون بخفايا سقوط الموصل وثلث مساحة البلاد في أيدي داعش، أو بالأحرى تسليمها إليه يداً بيد في غضون يومين وليلتين، بما يتعيّن فعله كيما لا يدهمنا بعد حين تنظيم إرهابي ثالث بعد القاعدة وداعش.
 متحاورو الملتقى لم يقترحوا علينا السبيل القويم لتحقيق المصالحة التي يلهج بها الجميع (أقصد منظّمي المؤتمر وعرّابيه ومتصدّري واجهاته وغيرهم) فيما هم لا يريدونها في الواقع، ولم يفيدونا بخريطة طريق لوضع نهاية حاسمة لأعمال الإرهاب والعنف التي يقف الكثير منهم وراءها ويُحرّضون عليها بخطاب الكراهية الذي يُتقنون صياغته كما لا يتقنون أي شيء آخر ما خلا الكذب على الناس وسرقة أموالهم وأحلامهم.   
الشيء الوحيد الذي فهمناه في نهاية أعمال المؤتمر، أنّ هذا الملتقى سيُصبح عادة سنويّة، ربما تيمّناً بما كانت تفعله العرب في الماضي، أعني سوق عكاظ وسوق مجنة وسوق ذي المجاز وسواها!
باختصار فإن كلّ ما خرج به مؤتمر "حوار بغداد" هو إضافة مقهى جديد إلى مقاهي بغداد، التقليديّة منها الموشكة على الانقراض مثل الكثير من معالم بغداد الجميلة أو الجديدة (الكافيهات)، لكنّه سيكون مقهىً شديد الخصوصية، ذلك أنّ روّاده هم من مُحدثي النعمة الماليّة والسياسيّة وحواريّيهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ايناس

    الكلمنجية سيكونون اكثر من السابق وخصوصا قبل الانتخابات

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram