في قلب طهران مبنى كبيرٌ، أعتقد انه مجموعة مسارح وسينما وقاعة عروض سينمائية وأعمال تشكيلية، وكل ما له علاقة بالفن، المبنى دائري، والدخول إليه يتم عبر أكثر من باب، ولست هنا بصدد وصف المبنى، لكنني لاحظت أنَّ غابة من الأشجار تحيط به، أشجار عالية كثيفة، وهنالك اكشاك لبيع الأطعمة والأشربة والعصائر، وهو كثير الدهاليز، شبه معتم ،كثير الطوارم والأواوين، وبعدد لا يحصى من المقاعد والمصاطب الخشبية، والإضاءة فيه خافتة، ليلية وملونة، تتيح لمرتادها التمتع بالدهشة وشيء من السرية، فقد شاهدت العديد من الشبان، بنين وبنات، يجلسون مثنى وثلاثاً ورباع وجماعات، في شبه إتاحة رسمية، شرعية للهمس والقبل والأحاديث الخاصة العميقة.
لا أريد أن أقول بأن الحكومة إنما شيّدت المبنى الجميل هذا، لكي يكون مكاناً لأفعال كهذه، أبداً وحاشا لله ان ينحرف بي الظن الى مثل هذه، لكنني وجدت أنها تغض الطرف عن أفعال العاشقينن، ورحت اذهب بحسن نيتي إلى انها باتت تسمح لهم بتقبيل بعضهم، والجلوس معا مثلما تسمح لهم بتبادل الأحاديث في الشعر والمسرح واللوحة والسينما وما الى ذلك. بصراحة، أكبرتُ بالحكومة الفعل الجميل هذا، وأثنيت على قيام المؤسسة الثقافية والسياسية بغض الطرف عن أفعال هؤلاء الشباب، المندفعين فتوة وإبداعاً وجمالاً، ذلك، لأنهم عملوا بموجب قول الإمام علي: (إنَّ القلوبَ تملُّ كما تملُّ الأبدانُ فابتغوا لها طرائف الحكمة) وهذا لعمري عين الصواب، وخير ما تفعل الحكومات التي تريد لشعوبها الاستمرار والديمومة والبقاء والتطور.
بعد سقوط النظام، وإثر فسحة الحرية التي أتيحت للناس، يومئذ، أي قبل أن يسرق الإسلاميون السعادة مع ما سرقوا من مال ومبانٍ، كنت رأيت فتى وفتاة جالسَين على مصطبة، في كورنيش شط العرب، حسبت انَّ خلوتهما الجميلة هذه، إنما هي مما يصنعه المخطوبون، العاشقون، المتزوجون تواً، هكذا حملت الجلسة الحميمية تلك، ولا أعرف كيف انهمرت دموعي فرحاً، كنت سعيداً بالمشهد هذا، قلت انهما وجدا في فرصة الحرية ما اتاح لهما الجلوس، والتمتع بجمال منظر الشط بأمواجه ونوارسه والمراكب الغادية والرائحة فيه ومجموع الناس الذين تنفسوا الحرية، بعد ان حرمهم النظام منها. هكذا رحت أرتب المشهد، كيفما يحلو لشاعر حالم، يحب الناس ويتنفس السعادة لهم، ويرتاد الأمكنة التي تليق بالانسان المحب بطبعة لقيم الجمال والنور.
أسوأ ما في أجهزة الأمن هو الذي يقع تحت مسمى( شرطة الآداب، أو مكافحة الشغب) إذ أنَّ المنفذ الذي ستدخل منه الحكومة لقمع الحريات، إنما يمرُّ من هنا، لكنه سيكون الباب الأوسع للتمتع بنعيم الحرية، والأمر يتوقف على شكل وفلسفة الحكومة، أية حكومة، إذ سيكون كل عاشقين ومخطوبين ومتزوجين عرضة للشتم والملاحقة والتطاول، إن كان شكل وفلسفة الحكومة قد بني على التشدد والقمع وسلب الحريات، مثلما سيتاح لهؤلاء الناس ممارسة أقصى درجات الحرية والتمتع بالحياة والشعور بالطمأنينة ومن ثم الرضا والسعادة والمعافاة في الروح والبدن، إذا كان شكل وفلسفة الحكومة مبنياً على السماحة واللطف وجعل الحياة ممكنة وبمتناول الجميع. القانون مفهوم عام وصياغته يجب أن تتم على أساس فهم المعاني العميقة للحياة، لا على أساس سلبها من الناس.
على هدي هذه وتلك، ما الذي يضير حكومة السيد العبادي، التي لا تحمل شكلاً وفلسفة واضحين، كما يبدو لو أنها فكرت بمثل ما تفكر به حكومة الولي الفقيه، التي ظاهرها التشدد ومحتواها الانفتاح. هكذا، لا نطالبه بأن يتخذ من شكل وفلسفة أية حكومة اوروبية مثالاً، فهذا، ونحن نعلم، أنه مما لا يجرؤ على التفكير فيه.
في شكل وفلسفة الحكومة
[post-views]
نشر في: 17 يناير, 2017: 09:01 م