adnan.h@almadapaper.net
ربّما كان العراق البلد الوحيد في العالم الذي لا تتغير فيه الأشياء، فإن تغيّرت فإلى الأسوأ في الأعمّ الأغلب. ولن يعدم مَنْ له هذا الرأي وجود الأمثلة والنماذج المؤكدة والوقائع القاطعة.
خذوا مثلاً الخدمات العامة الأساس ... الكهرباء والماء والصحة والتعليم والنقل والصرف الصحي والبيئة... لا أظنّ أنّ أحداً، بمَنْ في ذلك الوزراء والمدراء المسؤولون عن هذه الشؤون، في إمكانه الزعم بأنّ تغيّراً إيجابياً ملموساً قد حدث.. أما الفساد الإداري والمالي فالواضح أنه باق على حاله والفاسدون مازالوا يعيشون أحلى أيامهم وأهناهم.. والقائمة تطول.
منذ سنة كتبتُ هنا بالذات تعليقاً على التقرير السنوي لمركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين في إقليم كردستان العراق:" هذا التقرير لا يثير الشعور بالأسى والأسف وحسب، بل إنه يُهيّج المواجع ويبعث على الإحساس بالمرارة وخيبة الأمل حيال تجربة تطلّعنا – ووُعِدنا أيضاً – بأن تكون قدوة تُقتدى وأُنموذجاً يُحتذى في الممارسة السياسية الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة على صعيد العراق كلّه، انطلاقاً من إقليم كردستان المتحرر من دكتاتورية صدام حسين قبل 12 سنة من سقوطه وتحرّر العراق منها ووقوعه في براثن دكتاتورية جديدة، هي دكتاتورية الإسلام السياسي".
تقرير مركز ميترو ذاك أحصى 84 اعتداءً على الإعلاميين ومؤسساتهم في العام المنصرم وحده (2015 )، اثنان أو ثلاثة منها فقط ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي والبقية كانت من صنيع مؤسسات حكومية وحزبية في الإقليم!
ومنذ أيام أذاع المركز تقريره الجديد عن أوضاع الإعلاميين في العام الماضي (2016 )، وهو أحصى (175) تجاوزا، بحقّ (148) صحفياً، 22 من هذه الاعتداءات محسوبة على داعش والبقية هي حصة المؤسسات الحكومية والحزبية في الإقليم
هناك تغيّر ... نحو الأسوأ ، إثباتاً للقاعدة العراقية الراسخة!
التقرير لاحظ انه "رغم صدور الكثير من القوانين والتعليمات التي تصبّ في خدمة الصحفيين والعمل الصحفي وتسهّل من وصولهم للمعلومات وتغطيتهم للاحداث، إلّا أنّ المسوؤلين عن تنفيذ تلك القوانين والتعليمات وتطبيقها، مازالوا في كثير من الاحيان هم العائق أمام تنفيذها، فتبقى تلك القوانين مركونة بلا تفعيل".
وكيف الحال في بغداد والبصرة والنجف والكوت... ؟ هي ليست أقل سوءاً مما في أربيل والسليمانية وكركوك ، وربما أسوأ، كما أعرف ويعرف كلّ المعنيين بحريّة الإعلام، لكن لا ينبغي لهذا أن يعطي حجة لسلطات الإقليم أو يخفف من مسؤوليتها عن تجاوزاتها المرصودة في تقرير مركز ميترو. إنه لأمر في غاية السوء حتى لو كان هذا النوع من الانتهاكات بنسبة 50 في المئة مما جاء في تقرير ميترو وما نعرفه عن الانتهاكات لحريّة الإعلام والإعلاميين في مختلف أرجاء البلاد.
أجدني، والحال هذه، أستعيد بعضاً مما كتبته منذ سنة لأختم هذا العمود.
من دون إعلام حرّ لا يمكن تحقيق الديمقراطية ولا إنجاز التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولا تعزيز السلم الاهلي. هذا ما يتعيّن أن يدركه كل مسؤول حكومي وحزبي في أربيل والسليمانية كما في بغداد وسائر مدن العراق، فمن يريد الديمقراطية والتنمية والسلم الأهلي لا مناص له من الإذعان لمتطلباتها كاملة دون نقصان، ومن يشاء غير ذلك عليه أن يعلنه صراحة.