صحوت فجر أمس على أصوات إطلاق نار غير منقطعة، ومن أسلحة مختلفة، في البداية كنت اتوقع ان أحدهم يطارد لصوصاً، وما أكثرهم في الايام هذه، لكنَّ استمرار الرمي احالني إلى أنَّ قتالاً نشب بين عشيرتين، فصوت الاطلاقات يدخل البيت من صدى الساعات الهادئة في الفجر، يتقطع لحظة وينهمر لحظات. سألتني زوجتي عن ذلك، فقلت: والله، يبدو أنَّ أمراً جللاً قد حدث، قد يكون تشييعاً لأحد شيوخ العشائر أو لأحد علماء الدين، وإلا ما معنى هذا؟ وحين اشتد إطلاق النار، بدا لنا أن القضية ليست كما أدّعي واتوهم، فقد سمعنا صوتا يشبه صوت قذيفة مدفع، او قذيفة هاون، قالت: أظنُّ أنَّ داعش دخلت البصرة !!!!
لأكثر من ساعة والرصاص لم يتوقف، كانت الشمس خلف أستارها، لمّا تبزغ بعد، لكنني، وبصراحة، كنت أرجّح فكرة زوجتي القائلة بدخول داعش، وإلا ما معنى هذا الرصاص وأصوات القذائف؟؟ رنَّ هاتف جيراننا، د. صالح، يستفسر، كان خائفا مثلي، قال إنه يريد الوصول الى كراج ساحة سعد، هناك ضيف يستوجب سفره الى بغداد، لكنه خائف، حاولت تخفيف الأمر، قلت لا أظن الأمر سيستمر، ربما هنالك تشييع لأحدهم، كانني ادخلت الطمأنينة على قلبه، لكنني لم أتيقن، فقد ظلت فكرة دخول داعش هي الأقوى في تفكيري، ورحت أفكر، ياترى، ما العمل، وكيف ساواجه هؤلاء لو أنهم دخلوا المدينة والناس نيام؟
هدأت الاصوات وصمتت المدينة، ولمّا رحت أقلب في الاسباب إهتديت مع البعض من أبنائي إلى الآتي: إذا كان صوت الرصاص متقطعاً ويأتي بالتناوب من أسلحة خفيفة ومتوسطة، وتسمع اصوات هاونات أيضاً فالقضية خصومات عشائرية، لا محالة، وهناك مواجهات، أما إذا كانت الاصوات تأتي من كل الجهات، وتتخللها اصوات تشبه إنفجار المفرقعات، فقد فاز الفريق العراق بكرة القدم، وإذا كانت أصوات الرصاص تأتي مع صلاة المغرب، فهناك من سيتزوج الليلة هذه، وإذا سمعت إطلاق نار كثيف، وبالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وفي وقت غير معلوم، فان جنازة لأحد الشهداء يتم تشييعها ... وهكذا رحنا نحلل الاصوات بحسب مشيئة البنادق.
يسخر سكان البصرة من سماعهم بان الحكومة عازمة على نزع أسلحة العشائر، أو أنها ستقوم بحملات لملاحقة حائزيها غير القانونيين، ويتذمر السكان من تساءلات العراقيين في بغداد والمحافظات عن اسباب النزاعات العشائرية، واتساع رقعة تجارة المخدرات، ويتساءل اهلنا في بلاد الغربة، عن ما آلت اليه أحوال المدينة، ولا نملك إلا القول: بأن الحكومة هزيلة، وغير قادرة على إدارة شؤون المدينة.
قبل أسبوع استشهد مقاتل في احد فصائل الحشد، وقبل التشييع قرأ اولاده وصيته، القاضية بحرمة إطلاق النار في تشييعه، لكن الرصاص الذي أطلق خلال ثلاثة الايام فاق التصور، اما أطلق فجر ليلة امس، ولم أعرف سببه حتى اللحظة فقد تجاوز الحدود. ما يهمنا هنا، أنَّ بعض الفصائل المسلحة هي التي تقوم بتشييع شهدائها في العادة، الأمر الذي يتيح الحرية للجميع ويشرعن إطلاق النار للشفيع والوضيع، والذي نعلمه أن العديد من أفراد الاجهزة الأمنية يطلقون النار في أي مناسبة لعشائرهم، وأن الدولة تعلم بذلك، وهي غير قادرة على فعل شيء، وان القانون عاطل عن الاستخدام في حالات كهذه، وأن المدينة سائرة إلى غايتها في التدهور، ولا شيء سيتغير في قادم الأيام. والسلام عليكم .
على مَنْ يطلقون النار في الفجر؟
[post-views]
نشر في: 24 يناير, 2017: 09:01 م