TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > معارضة أم شارع سياسي؟

معارضة أم شارع سياسي؟

نشر في: 25 يناير, 2017: 06:44 م

من بديهيات الأنظمة الديمقراطية ان تكون هناك معارضة تراقب عمل الحكومات. وفي الديمقراطيات الراسخة، تعمل المعارضة بشكل ناضج عبر تشكيل حكومات ظل مكونة من رئيس ووزراء يتولون مراقبة الحكومة في شتى الملفات.
هذا ما تفرضه الحياة السياسية في الأنظمة الديمقراطية. اما في الأنظمة المتخلفة والطفولية، فإن الأمر يختلط بين المعارضة والشارع الذي يتبع حزباً او تكتلاً سياسياً. في مثل هكذا حالة لا يعود التمييز ممكناً، بين حدود المعارضة السياسية، والجمهور الذي يخرج لدعم وتأييد جهة سياسية يؤمن بها ويتبعها.
أحياناً، تتبادل المعارضة والشارع السياسي الأدوار بهدف تعظيم المكاسب، وزيادة الضغط على الخصوم، وفرض الإرادات. يحدث ذلك حينما لا تريد بعض الأحزاب السياسية الإيفاء بالتزامات المعارضة، مفضّلة البقاء في دائرة التأثير السياسي، وممارسة ضغوطاتها عبر أدوات غير سياسية. فيعمل الحزب على وضع قدم في الحكومة، وقدم أخرى في المعارضة.
ويعبّر هذا النوع من العمل السياسي عن أزمة مستفحلة داخل أي نظام سياسي. فبسبب تلاشي الحدود والأدوار، فإن الحكومات تحمل في رحمها نواة معارضة، والمعارضة تحمل في رحمها نواة حكومة تسعى لإفشال عمل الأولى. لذا فإن هذه الأنظمة تفتقر الى الاستقرار، وتعاني من فشل مزمن في تنفيذ برامجها، كما أنها تعاني من تفشي البيروقراطية وانتشار الفساد والمحسوبيات، نظراً لتعدد دوائر القرار، وازدواجية ولاء الموظفين والمسؤولين، بين حكومة عاجزة ومعارضة غير مسؤولة.
وتعدّ الأنظمة "التوافقية" البيئة الخصبة لمثل هكذا ظواهر. وتتفاقم هذه الظاهرة بشكل أكبر في الأنظمة التي تعتمد المحاصصة الإثنوطائفية، وليس الكفاءة والمهنية في التوظيف وتولي المسؤوليات العامة.
من هنا، فعندما يكون النظام السياسي فاسداً ومشوهاً، كما هو حال نظامنا، فلايمكن ان نتوقع إنتاج معارضة سليمة، لا تحمل فايروسات بيئتها الحاضنة، والعكس بالعكس.
عبر هذه المقاربة للحياة السياسية العراقية، سيكون بإمكان المراقب فهم ما وراء الحراك الذي نشاهده في الشوارع والساحات، او عبر البرلمان وشاشات الفضائيات.
ونظرا لعدم استعداد الأحزاب والكتل السياسية للعب دور المعارضة تحت الشمس وفي وضح النهار، أصبحنا نواجه أشكالاً من الاحتجاج الملتبس، الذي يتلوّن بلون المعارضة تارة، ولون الشارع السياسي تارة اخرى.
وهذا ما يفسّر لنا غياب الحلول الواقعية لإخراج العراق من أزماته، والتستر على الكثير من الملفات التي يطويها النسيان. فمع هكذا حال، لا يمكن للمواطن معرفة مصير ثرواته التي بُددت، ولا الحصول على تفسير مقنع لتبخر 50% من احتياطي عملته الصعبة، ولا محاسبة المتورطين بعمليات فساد وإفساد للمجتمع وهياكل الدولة. ولن يحقّ للمواطن السؤال عن عدم تسلم أبنائه للكتب الدراسية، ولا الاعتراض على عدم توفير مدارس كافية بعد ان هدم الفساد المنظّم آلاف الأبنية بذريعة الإعمار. ولن يسمع أحد مواطناً يسأل عن غياب البطاقة التموينية رغم تخصيص مليارات الدولار لاستيراد موادها، ولن يلتفت لآلاف الفقراء الذين يتم قطع معوناتهم الشهرية من شبكة الرعاية رغم ارتفاع معدلات مؤشرات الفقر إلى 30%.
ففي مثل هكذا نظام مشوّه، سيبقى الغسيل الوسخ تحت اليد كيما تستخدمه القوى السياسية ضد بعضها لا بهدف الإصلاح والتقويم، بل بهدف الابتزاز والإفلات من تحمل مسؤولياتها. ولن تتوانى الأحزاب في استخدام شارعها وجمهورها لترديد شعاراتها السياسية، وتسويقها بوصفها مطالب شعبية.
هكذا يمرّر السياسي مطالباته عبر شارع محبط، فينتصر الاول، وتستمر خسارات الثاني. وهكذا تتماهى الحدود بين المعارضة والشارع، فتستحكم دائرة الفساد وسوء الإدارة، ويسير النظام السياسي الى مصيره المحتوم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram