معظم الكتب التي كتبت في الجنس(الايروتيكا) العربية، وعبر التاريخ العربي الاسلامي، كتبها رجال دين وأئمة كبار، دبّجوا فيها من الكلام الجميل وعرضوا خلالها تجاربهم وتجارب أناس آخرين، وجمعوا في متونها الطريف والظريف من القصص والروايات، وكانت بحق كتباً تُقرأ من العامة والخاصة، وتناقلتها الاجيال، وكان البعض منهم قد كتبها بناء على توصية من خليفة او سلطان او أمير، ولم يشنّع أحدٌ عليهم صنعتهم، ولم يهدر سيّافٌ دمهم.
وكان الكتاب هؤلاء، يستهلون الصفحات الأول من كتبهم بالآي وبالاحاديث وبسير الصحابة والتابعين في ما يتعلق بالنساء ووجدناهم يعلومننا الحب والوله والشغف وطرائق المعاشرة وسىوى ذلك من أفعل العشاق والمحبين، غير مستقبحين الفعل، فيما ذهب البعض منهم الى ما هو أبعد من ذلك، فتوسعوا وعمّقوا النقاش في قضية الخلق والخالق والنبوّات والصحبة وأسبروا غور ما غُمَّ على الناس، حتى بلغ بعضهم شانه الذي بلغه، فاتّهم بالكفر والزندقة والمروق من الملة، وكل ذلك في فعل غايته الوصول الى الكليات في المعرفة، بعيداً عن سفسطة النَقَلَةِ واوهام حَمَلَة ِالمصاحف إبتغاء الفتنة والكراهية.
كلنا يسأل السؤال التقليدي: ترى، لماذا لم تنجب المنطقة العربية علماء وروحانيين يتساوق فكرهم مع التطور الذي يشهده العصر؟ في أشارة الى العصور العربية، الاسلامية التي شهدتها المنطقة في القرنين الثالث والرابع الهجريين على سبيل المثال. ولماذا تعود آلة التشدد والعنت والقتل بكامل قوتها الى الوراء، مستحضرة لغة التكفير والتفسيق والتحريم وكأن الزمن توقف عندهم، مع وجود الفسحة الواسعة في التشريع، تلك التي أتيحت للفقهاء والعلماء، لكي يتوسعوا في فهم النصوص بموجب مقتضى العصر. لماذا ظل الدين على ألسنة هؤلاء سوطاً للجلد وقد وجد ليكون رحمة ورأفة ولطف؟.
يقول مترجم حياة مولانا جلال الدين الرومي".. ونحسب أنَّ العبقريات في الامم كلها، والازمان كلها، وثيقة الصلة بالابعاد الانسانية الشاملة، والفضاءات التي تسمح بتبادل الانسام والانغام والاحلام" ويمكننا ان نقول إن مولانا كان رجلاً من طراز خاص، في فهم الدين، ولو لم تقع صاعقةُ وعيّهِ في بيدر روحه، لظل اسماً في الذاكرة الى جانب العشرات من العلماء والفقهاء، الذين أسدل الدهرُ سِتارَ النسيان على كثيرٍ منهم، لذا فهو واحد من قلة أتوا الى عالم المعرفة والثقافة الاسلامي، وهو واحد من قليل جداً، أثروا تاريخ البشرية بالنبل والسماحة واللطف.
معلوم أن طريق المغايرة في فهم الدين، عند هؤلاء، امثال الرومي وشمس التبريزي والحلاج وابن عربي وغيرهم، والتي تقود-لا محالة- الى معرفة الذات الإلاهية، بما ينسجم مع العصر ومتغيراته، طريق مختلفة تماما عن الطريق التي سلكها ويسلكها الوعّاظ المتشددون، من رجالات السلطة وفقهائها. والغريب في الأمر أنَّ هؤلاء لم يستلوا من المصحف إلا آيات القتل والجلد والكراهية، وصوروا الكتاب على أنه خال من آيات العفو والرحمة والمغفرة. كان مولانا جلال الدين ورهط العارفين معه على علم بان الكتاب متحرك مع استقراره على الورق، وهو متحوّلٌ، متنقلٌ في الزمان، وهم بذلك يقصدون التعظيم في شانه لا الاساءة له، إذ من غير المعقول إعمال معاني النصوص الخاصة بمحاربة المشركين والكفار ووجوب ملاحقتهم في الأرض قائمة ً الى يومنا هذا!!
وهنا، يمكننا استخلاص العديد من الآيات، التي تبرر للمسلمين العيش الى جوار هؤلاء والقبول بهم كشركاء في الانسانية، وهذا ما تفرضه الطبيعة البشرية التي تميل الى المشاركة في الحياة بعيدا عن القهر وفرض الرأي. هل بيننا من يقول بانَّ القرآن مخالفٌ للطبيعة البشرية؟
في فهم النصّ القرآني اليوم
[post-views]
نشر في: 31 يناير, 2017: 09:01 م