لا شك اننا في بلد يعيش أزمة مالية خانقة منذ أواخر 2014، حالنا في ذلك كحال دول الريع النفطي. لكن ما يميزنا عن سوانا، اننا ندير أزماتنا، لا سيما الاقتصادية والمالية منها، بطريقة متخلّفة وبدائية في أغلب الاحيان.
فمن أصل نصف ترليون دولار دخل خزينتنا منذ 2003، بلغت ديوننا الداخلية والخارجية نحو 100 مليار دولار في الوقت الحاضر. وفي ظل استمرار الأزمة المالية، فإن الدين العام مرشح للارتفاع الى حدود 160 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
ماذا يعني ذلك؟ بكل بساطة، يعني ذلك ان سياسة انفاقنا خلال العقد الماضي ادت الى خسارة خمس ايراداتنا النفطية.
لقد دشن الحاكم المدني الاميركي أُسس أزمتنا المالية، عندما ربط سعر الدينار الجديد بحركة السوق التي يتحكم بها مزاد العملة التابع للبنك المركزي. ادى هذا الإجراء الى رفع سعر الدينار أمام الدولار من 4000 آلاف دينار للدولار الواحد الى 1170 للدولار اواسط عام 2004.
إلا ان هذا القرار لم يعتمد على وجود غطاء مالي للعملة الجديدة، بقدر اعتماده على ضخ كميات من دولارات بيع النفط في السوق المحلية، بهدف منع عودة شبح التضخم، وحماية الدينار من الانتكاسة مرة اخرى.
منذ ذلك التاريخ، والاقتصاد العراق مرهون بهذا الاجراء الذي انطوى على جنبة سياسية تتعلق بـ"تبييض صفحة" الوجود الاميركي في العراق، واعتباره ثمرة للإطاحة بنظام صدام.
ما زاد الطين بلَّة، ان الحكومات المتعاقبة لم تفكر يوماً بتنويع ايراداتها، وواصلت اعتمادها على اسعار النفط التي اخذت بالارتفاع حتى بلغت ذروتها عندما تجاوز سعر برميل حاجز الـ 100 دولار في نهاية 2013.
لقد صدّقت الحكومة انها تملك عصا سحرية لتبنّي الاقتصاد الحر، وصدّقت ايضا ان القطاع الخاص قادر على بناء اقتصاد انهكته العقوبات، وسيطرة الدولة. هذا التحول جعل من اسواقنا مجالا حيويا لتصريف بضائع تجاوزت قيمتها الـ300 مليار دولار، قام باستيرادها القطاع العام والخاص، خلال العقد الماضي، من دون فرض رسوم كمركية، او حتى حمايتنا من الأغذية والبضائع الفاسدة.
لم تكتف الحكومات بذلك، فقد اسرفت برفع سقف المرتبات والمخصصات الموازية من دون ضوابط او دراسة تأثيراتها. كما ادى التوسع بالتوظيف العام الى مضاعفة عدد موظفي الدولة من 750 الف موظف قبل 2003 الى اكثر من 4 ملايين موظف حاليا. وبحسب معطيات ادلى بها وزير المالية السابق، فإن اكثر من 9 ملايين عراقي يتقاضون رواتب واعانات من خزينة الدولة.
هذا العدد الكبير من العراقيين، ممن يعتاشون على رواتب الدولة، اصبح يستحوذ على ضعفي ايرادات النفط، لا سيما مع هبوط اسعاره الحاد بين 2015 و2016.
هذه العوامل بمجملها، دفعت الحكومة لمعالجة العجز، الذي بلغ حدود الـ50 مليار دولار خلال العامين الماضيين، عبر اللجوء الى طريقين: الاول، يتمثل بالحصول على قروض خارجية، بلغت 20 مليار دولار. والثاني، الاستعانة باحتياطي العملة لدى البنك المركزي الذي ساهم بـ 20 ترليون دينار، كقروض وتسهيلات وسندات لسد عجز الموازنة. وتسبب هذا الاجراء بانخفاض احتياطي العملة من 66 مليار دولار بنهاية 2014 الى حدود 45 مليار دولار بنهاية العام الماضي، بحسب محافظ البنك المركزي في حديثه الاخير امام البرلمان.
هكذا تواصل استنزاف الاحتياطي بشكل متسارع، حتى مع انخفاض ايرادات النفط. وفاقم الأزمة سوء الرقابة على مزاد العملة، وتحول المصارف الخاصة الى ثقب اسود تتسرب عبره ثروات البلاد.
اليوم اصبحنا في مواجهة لحظة الحقيقة. فالحكومة لا تغطّي بالدولار، الدنانير التي تحصل عليها من المصرف المركزي. ولاتسدد ديوناً مستحقة للمقاولين تقدر بـ7 ترليونات دينار، هي جزء من قروض حصل عليها هؤلاء المقاولون من المصارف التي تعتاش على مزاد العملة منذ تأسيسه. تضاف الى ذلك ديون الفلاحين المتراكمة منذ عامين، والتي تقدر بـ2 ترليون دينار.
تخيلوا دولة، يتحول فلاحوها الى عاطلين، ومقاولوها الى مفلسين، هل ستجد أمامها طريقاً لإطعام رعاياها، سوى لحمها الآخذ بالتلاشي، ما لم تتدارك ذلك!
دولة تأكل من لحمها!
[post-views]
نشر في: 1 فبراير, 2017: 06:41 م
جميع التعليقات 1
ناظر لطيف
مع احترامي لموضعكم المهم ارجو مراجعة الارقام التي ذكرت في مقالكم، سعر صرف الدينار فبل الغزو كان حوالي 2000 دينار لكل دولار ولم يكن 4000 ، ايرادات العراق منذ 2003 تعدت الترليون دولار وليس النصف عدد الموظفين في 2003 بالتاكيد يفوق العدد المذكور في مقالكم.بقي