هناك اختبار ممتع يمكنه تحديد العمر الحقيقي الذي عاشه الفرد بعد الإجابة على مجموعة من الاسئلة ..والعمر الحقيقي كما يراه خبراء علم النفس هو الفترة التي يعيش فيها المرء سعيدا متصالحا مع نفسه ، ويكون قد أنجز فيه ما يلبي طموحه وان يمضيه بصحة جيدة وحيوية ..من جهتي ، وبعد تجربة الاختبار على عدد من المقربين انصح من يحصل عليه من العراقيين الا يجربه لأنه سيكتشف انه لم يعش الا سنوات عدة من عمره الحقيقي ، وهناك من قد يكتشف انه لم يعش حياته مطلقاً ..
لو سألت أي عراقي عن الفترة الافضل في حياته ستجد اغلبهم يقولون انها فترة الطفولة ..ربما لأنها الفترة التي لا يشعر فيها المرء بمشاعر الحزن والاحباط والخوف والملل واليأس والجزع ...لذا تجد البعض يعيش حنينا دائما الى ايام طفولته وهو يعيش واقعا مثقلا بالاحباطات والآلام ..ولو سألت أي عراقي عن المستقبل سترتسم على ملامحه علامات استفهام ، فالمستقبل في العراق مجهول وليس لدى ابنائه القدرة على التخطيط لحياتهم كما يحدث لدى ابناء الدول الاخرى، ذلك اننا اعتدنا ان نرتبط بالظروف المحيطة بنا رغما عنا وان نبرهن على حقيقة ان الظروف اقوى من الانسان وليس العكس ...اعتدنا ان نكون كالأشجار تموت واقفة وهي تتشبث بالارض وتصمد امام الرياح والعواصف لكنها تموت في النهاية قبل أن تثمر احيانا ..
مع كل هذه الاحباطات التي عاشها ويعيشها العراقيون بسبب اخفاقات واخطاء حكوماتهم المتعاقبة لم تعد هناك فرصة لعيش حياة حقيقية ، فهناك من عاش الحرمان من ابسط حقوقه ، وهناك من كان ضحية للعنف والبطش والخوف ، وهناك ايضا من يعيش انتظارا دائما لقدوم ايام افضل ، وهناك من انسلخ عن ايام طفولته الجميلة واستغل ايامه المتبقية في البحث عن موقع له على خارطة المصالح والمكاسب المادية التي سادت البلد فلم يعش عمره الحقيقي ايضا ..وفي كل الاحوال ، مازلنا نحصي ايامنا الاجمل بربطها بالماضي فقط ،فاذا دار الحديث عن كوارث الحاضر ومانتج عنها من انهيار كبير للقيم والمباديء ومواطن الابداع والتفوق ، قلنا اننا " خير أمة اخرجت للناس " وتحدثنا عن أمجاد الماضي ، واذا شهدنا انهزاما وخنوعا وتنازلات لدول اخرى او تنظيمات ارهابية خارجية ، استذكرنا ايام كان الجيش العراقي حارس البوابة الشرقية ،وساقنا الحنين الى ماحظينا به في الماضي من أمان وبوادر لازدهار وتقدم كاد أن يتحقق لولا سيف الحروب الذي سلطه على رقابنا حاكم دكتاتوري وفوضى السياسة التي جلبها لنا دعاة الديمقراطية ...
كم عدد السنوات التي عشناها من دون ان نفقد شيئا من احلامنا وذواتنا واحبتنا ..هي قليلة ولاشك ، وقد ياتي اليوم الذي لا يجد من يأتي بعدنا اياما اجمل في استذكار طفولتهم لأن الطفولة لدينا ايضا باتت عرضة لاحباطات العصر وانكساراته ..هل تجدون ضرورة بعد الآن في تجربة اختبار قياس العمر الحقيقي ..انصحكم بألا تفعلوا!!
الأشجار تموت واقفـة
[post-views]
نشر في: 3 فبراير, 2017: 09:01 م