كثيراً ما أتردد في ان أسأل الإخوة العاملين في المقهى الثقافي العراقي في لندن عن المبدأ الذي من خلاله يتم اختيار المبدع او المادة الثقافية المعروضة على جمهور المقهى، لكنني قررت ان اسأل احدهم في امسية الفنان المتعدد المواهب فلاح هاشم ، الذي أمتعن
كثيراً ما أتردد في ان أسأل الإخوة العاملين في المقهى الثقافي العراقي في لندن عن المبدأ الذي من خلاله يتم اختيار المبدع او المادة الثقافية المعروضة على جمهور المقهى، لكنني قررت ان اسأل احدهم في امسية الفنان المتعدد المواهب فلاح هاشم ، الذي أمتعنا في ما قدمه لنا وما قام به خلال فترة تزيد على الأربعين عاماً ضارباً مقتدراًعلى أوتار اجناس فنية ومعرفية مختلفة ومتقاربة معاً.
كان الجواب هو ان هناك طريقتين للتقديم ، الأولى تتعلق في استعداد الضيف على تقديم ما يراه مناسباً لتوجه المقهى العام ويكون عادة بمفاتحة العاملين في المقهى برغبته تلك، اما الثانية فهي مفاتحة المقهى للمبدعين في استعدادهم للمساهمة في إغناء فضاء المقهى بالمعرفة والفنون. وكلاهما يؤدي الغرض المطلوب. لكن العاملين يشكون قلة الإمكانيات وزخم الطلبات. أي ان العرض اكثر من طاقة البرنامج السنوي للمقهى، حيث ان هناك إحدى عشرة فعالية خلال العام، بينما المعروض يتجاوز البرنامج السنوي. حيث يضطرالعاملون الى برمجة المواد على مدى اكثر من سنة . وهذا ما يوقعهم بإحراج لكثرة الطلبات وقلة الإمكانات .
على العموم، فالمقهى اخذ مكانه واستقر واصبح علامة من علامات الحياة الثقافية العراقية في العاصمة البريطانية ويزداد جمهوره يوماً بعد يوم. ما دفع العاملين وحسب قول احدهم الى شراء كراسي إضافية للصالة التي تتم فيها الأماسي .
فلاح هاشم ،الفنان المتعدد المواهب، شخصية محبوبة ويكون الحظ من جانبك لو جلست معه بعض الوقت، حيث لا تستطيع ان تمسك نفسك من الضحك لطرائفه وحكاياته. لكنه فنان جاد وحقيقي وملتصق بهموم شعبه وقضاياه المصيرية. وقد لاقى من العسف والحرمان وحتى المحاربة ما يجعله في مقدمة ضحايا الإرهاب الذي مورس بحق أبناء الشعب العراقي وخاصة نخبته المثقفة.
تنقّل بسبب مواقفه الجريئة ونشاطه الوطني في اماكن عديدة وبلدان مختلفة . وبسبب تلك التنقلات مارس عدة اختصاصات فنية وادبية ، سجل فيها ما يحسب لتراث الثقافة الوطنية الجادة والملتزمة.
عند افتتاح الأمسية تحدث الفنان علي رفيق مرحباً بالحضور ومنوها الى تميز هذه الامسية وتنوعها. بعدها قدمت الإعلامية المعروفة السيدة فريال حسين الفنان فلاح هاشم بكلمات قصيرة اختصرت مسيرته وكذلك معرفتها به منذ السبعينات والعمل معاً في مجال البث الإذاعي والتلفزيوني . وقد عبرت عن سعادتها لتقديم فناننا فلاح وسرورها ان تكون مع جمهور المقهى وان تساهم في نشاطاته وفعالياته.
بمَ نبدأ ؟ خاطبت السيدة فريال جمهور القاعة .. ليكن الشعر إذن !
فألقى الفنان فلاح احدى قصائدة المعبرة عن هم معتق وبعيد الغور عن معاناة العراقيين
عراقي
أنا العراقيُّ المؤجلْ
يتناوب الأنذال على كرسي الرئاسة في وطني
ولأني صرختُ في وضح النهار معارضاً
ألفت سحنتي أرصفةٌ لا أعرفها
و انتظرتُ القطار في محطات غريبة
عارياً من أي درعٍ ..
أحس بالأمان من الجميع
الا كلاب السلطة التي تركتها ورائي
أقسم بكل ما في الكون من جمال
أن المطارات و محطات القطار و الحافلات صارت تبتسم بوجهي وتقول لي يا هلا
و أقسم مرة أخرى بأنني
شهدت محطات شاخت و أعيد بناؤها و أنا انتظر القطار الى وطني
أعرف أن الجغرافيا عصية على التغيير
لكن الوطن لا يخرج من درس الجغرافيا
إنه شيء هناك
ليس على خارطه
و لا على بقعة أرض
انه هنااااااااااااااااك
في مكمن ما من الروح
ثم تسأله المقدمة فريال فلاح عن تلك الحقبة التي كان يعمل فيها كممثل وكاتب ومخرج في إذاعة بغداد، حيث أسهب الفنان في الحديث عنها وعن منغصاتها وحلاوتها أيضاً ، إذ فتحت امامه مجالات عدة وادخلته في دهاليز التقنيات الفنية والتي لم يألفها سابقاً ، لأن معهد الفنون الجميلة الذي درس فيه فن المسرح ومارس التمثيل والإخراج من خلال سنواته فيه، لايملك وقتها ما تحتويه الإذاعة والتلفزيون من تقنيات ومؤهلات لتطوير مواهب الفنان الباحث عن الجديد.
بعدها تحدث فلاح عن مرحلة العمل في أفلام الرسوم المتحركة للأطفال التي تترجم الى العربية، حيث يشارك هو مع مجموعة طيبة من المبدعين في تسجيل الحوارالصوتي لها. كي تبث على شاشة التلفزيون. وهو يعتبر مرحلة العمل في برامج التلفزيون الكويتي في الثمانينات وبعد ان استحال عليه البقاء داخل الوطن، من المراحل المميزة والمفيدة جداً، وهو ما يزال مندهشاً كيف ان تلك الفترة ما تزال عالقة في مخيلة اجيال عمرية مختلفة من المستمعين والمشاهدين وكيف ان بعضهم يتذكر حتى الشخصيات التي كان يمثلها صوتياً .
ألقى بعدها الفنان والشاعر فلاح قصيدة "اعتصام"
اعـتـصــام
على رصـيـفٍ بـعـييييد
بُـعـدَ قارةٍ عن قارة
تـتـواثـبُ قـلـوبٌ تـوصـلُ الـمـنـفـى بالبيت
يـنـظـرُ المارون مـنـدهـشـيـن
من هـؤلاء ؟!
ماذا يريدون ؟!
لماذا يطلقون حناجرَهم في الريح
أمام جدار أصـم ؟!
جدارٍ ..
بعدها قدمت مشاهد من الأفلام والمسلسلات التي قام الفنان فلاح في أداء ادوار البطوله فيها او المساهمة فيها كممثل رئيسي . مثل مسلسل ( آخر الملوك ) والذي مثل فيه دور الشخصية السياسية المعروفة الدكتور فاضل الجمالي عندما كان رئيساً للوزراء وكذلك دوره التراجيدي في فيلم (فطور إنكليزي - إنكلش بريك فاست ) وكذلك الأعمال التلفزيونية مثل : ( رسالة من رجل ميت ) و ( رجال وقضية ).
ثم دار الحديث عن تجربته في محطة الإذاعة التي أدارها في لندن، وكيف كانت محط انظار العرب والعراقيين والتي قدم فيها مختلف القضايا والمواضيع. كما ساهمت هذه الإذاعة بتقديم العديد من العقول العربية والعلمية والمعرفية والثقافية والتي كانت تتميز بمواقفها المنحازة لقضايا الناس والوطن والقيم الإنسانية الرفيعة. ونتيجة لحيوية المادة والمواضيع فقد تخطت الأمسية الوقت المحدد لها . وجرت خلال ذلك بعض المداخلات والأسئلة وفي الختام شكرت السيدة فريال حسين الجميع وبالأخص الفنان فلاح على هذه الأمسية الجميلة وتمنت للجميع اوقاتاً طيبة.










