في ناحية واسط، جنوبي مدينة الكوت، أقيم واحد من اهم المشاريع الستراتيجية في الشرق الاوسط آنذاك والمتمثل بمشروع الدجيلة الزراعي الصناعي. اذ تمت المباشرة بإنشائه عام 1979 من قبل شركات يوغسلافية مختصة، وتضمن مخطط المشروع (4 ) محطات ابقار ومعمل ألبا
في ناحية واسط، جنوبي مدينة الكوت، أقيم واحد من اهم المشاريع الستراتيجية في الشرق الاوسط آنذاك والمتمثل بمشروع الدجيلة الزراعي الصناعي. اذ تمت المباشرة بإنشائه عام 1979 من قبل شركات يوغسلافية مختصة، وتضمن مخطط المشروع (4 ) محطات ابقار ومعمل ألبان ومعمل لتعليب اللحوم ومشروعي إسالة ماء واستصلاح (100) الف دونم لزراعة المحاصيل الستراتيجية (الحنطة والشعير) ومحاصيل العلف (الجت والبرسيم والمخاليط) والتي تروى بنظام ري صُنف آنذاك بالأول من نوعه في الشرق الاوسط اذ تتحكم حاسبة رئيسية بمناسيب المياه اوتوماتيكيا بواسطة بدالة اتصالات حديثة تؤمن الاتصال بين محطة السيطرة الرئيسة والبوابات الفرعية الموزعة على قنوات الري المبطنة للمشروع.
الا ان اندلاع الحرب العراقية _الايرانية عام 1980 حال دون اكمال المخطط حيث تم استصلاح الـ (100) الف دونم و إكمال نظام الري وانجاز محطتي ابقار فقط من اصل اربع محطات بواقع (5000) بقرة موزعة على (26) حظيرة في المحطة الواحدة ,يعمل على ادارتها اربعة الاف عامل في المحطة الواحدة بالإضافة الى تشغيل محلبين الماني وهولندي المنشأ تعمل على حلب الابقار اوتوماتيكيا بطاقة انتاجية تصل الى (40) طن حليب يوميا تسوق الى معمل البان ابو غريب.
من مشروع محلي الى عربي مشترك
المواطن محسن محمود تحدث لـ(المدى): كنا نعمل خمسة افراد من عائلة واحدة في مشروع الدجيلة الصناعي الزراعي الذي ساهم حينها في تشغيل جميع الأيدي العاملة في الناحية. مردفا: حيث دعت الحاجة الى استقطاب الايدي العاملة من كافة مناطق واسط والمحافظات المجاورة و بأجور ممتازة . مضيفا : ان النظام الحديث في المشروع من حيث المحالب وآلية تقديم العلف للأبقار، ومركز البيع المباشر للحوم، جعل الطاقة الانتاجية في تصاعد طردي ، مستنكرا الاهمال الكبير الذي يعانيه المشروع اليوم، والذي كان يمثل طوق النجاة من ازمة البطالة التي تعانيها المحافظة .
بعد وضع العراق تحت طائلة البند السابع إبان حرب الخليج الثانية, الذي نص في احد بنوده على اتفاقية النفط مقابل الغذاء والدواء حيث لم تملك الحكومة العراقية خيارا ــ لاستيراد ما تحتاجه لمشاريعها دون رقابة ــ الا ان تجعل من المشروع غطاء لها ، فمنحت الاردن نسبة شراكة في مشروع الدجيلة الزراعي الصناعي بلغت (12 %) اذ فتحت مكتبا اقليميا يسمح للجانب العراقي ــ من خلاله ــ باستيراد ما يريد وكانت هذه الخطوة الاولى في بدء العد التنازلي لانهيار المشروع .
مجلس المحافظة والشركة الأردنية يتحملان المسؤولية
في حين طالب كريم مسردح في حديثه لـ(المدى) باعادة تاهيل المشروع وصيانته من جديد واعتماد آلية حديثة في إدارته. مشددا على ضرورة ذلك لحاجة البلد للانتاج الزراعي والصناعي المحلي. لافتا الى ان هذا المشروع كان يسد جزءا كبيرا من الحاجة المحلية. متاسفا: على الحال الذي وصل اليه بسبب الإهمال والسرقة.
فيما ذكر فلاح ابراهيم ان اهمية هذا المشروع تكمن في استصلاح مساحات كبيرة من الاراضي الزراعية التي كانت مهملة ومتروكة. مردفا: الا ان الحروب وسوء الادارة تسببا بتآكل هذا المشروع واندثاره للأسف. محملا الشركة الاردنية جزءا من تلك المسؤولية خاصة انها باتت معوقة لأية عملية تاهيل او استثمار.
الا ان قاسم مفتن حمّل الحكومة المحلية في واسط مسؤولية اندثار المشروع الذي عده بالستراتيجي ان كان صناعيا او زراعيا. موضحا: بوجود قرابة (5000) بقرة كان بامكاننا تمويل معمل ألبان كبير يسهم بتشغيل المئات من الشباب العاطل عن العمل. لافتا الى المشاريع الاخرى الملحقة التي يمكن من خلال سد حاجة السوق العراقية من السلع الغذائية كما يمكن تامين حاجة المزارع الاخرى من اعلاف وما شابه.
بدء العد التنازلي لهيكلة المشروع
مدير المشروع المهندس عبد الله حسن تحدث لـ(المدى) عن اولى بوادر اهمال المشروع والتي كانت مع بداية انسحاب العراق من الكويت إبان غزوه لها عام 1991 وما رافقها من عقوبات فرضت على العراق. مضيفا: ما ادى الى هيكلة المحطة الاولى، وتحويلها الى محطة اغنام بسبب انقطاع الماء والكهرباء وتفشي مرض السل ( T B). مضيفا: ان ذلك انعكس سلبا على كمية الانتاج وتوفير العلف و زراعة الاراضي ، الامر الذي اجبر ادارة المشروع على بيع الابقار و العجول على شكل وجبات في مزاد علني لتغطية رواتب العاملين والاحتياجات الاخرى.
واضاف حسن ان الـ (100) الف دونم المستصلحة والتي كانت تزرع بمحاصيل ستراتيجية (الحنطة و الشعير) وعباد الشمس والذرة، بالإضافة لأنواع عديدة من الاعلاف، قد قلصت عام 1991 الى (36) الف دونم. مبينا: ان ذلك حصل بسبب توزيع الاراضي المميزة من قبل النظام السابق على عرب الأحواز الوافدين الى العراق اثناء الحرب العراقية الايرانية بلا مقابل.
إجراءات ترقيعية تسبب أضراراً كبيرة
يسترسل مدير المشروع: بعد عجز الحكومة عن توفير مستلزمات زراعة الاراضي لجأت عام 1996 كإجراء ترقيعي الى التعاقد مع مستثمرين من الاهالي مقابل استيفائها نسبة (36 %) من غلة انتاج الدونم الواحد وهي خطوة ادت الى ظهور طبقة اقطاعية جديدة تحت مظلة القانون. مؤكدا: صاحبت هذا الاجراء أضرار بالغة في منظومة الري واهمال كبير للأراضي المستصلحة، اذ بدأ المستثمرون برعي ماشيتهم فيها، الامر الذي كان محظورا تماما .موضحا: في عراق ما بعد التغيير والفوضى التي انتشرت كالنار في الهشيم ، وما صاحبها من اهمال كبير للقطاع الصناعي ,اخذنا على عاتقنا لملمة الوضع ، خصوصا وان المشروع قد تعرض لعمليات سطو عديدة ، بما فيها آليات الحراثة والحصاد ومكائن تنقية المحصول، بالإضافة الى استيلاء الاهالي على الاراضي الزراعية المستصلحة. مشددا: ان التراجع في الانتاج وتدهور المشروع ــ جراء الأسباب الآنفة الذكر ــ ادى الى تقليص الايدي العاملة تدريجياً بعد تصفية الابقار، اذ لم يبقَ منهم الا 200 عامل لم يتسلموا رواتبهم منذ اواخر عام 2012 .
الشركة الملكية تعيق الاستثمار والتأهيل
محافظ واسط مالك خلف وادي تحدث لـ(المدى ): بعد اعلان افلاس الشركة وعدم قدرتها على دفع رواتب موظفيها ، تم اعلان الشركة للاستثمار. مستدركا: لكن التجاوزات على الارض الزراعية من قبل الاهالي حال دون حصول المستثمر على الارض ، والذي وصل حد التصادم بين الاهالي والشركة المستثمرة ، ما ادى لمقتل احد موظفيها . مضيفا: الامر الذي جعل المشكلة معلقة منذ عام 2012 الى ان انتهت فترة تعاقد وزارة الصناعة مع وزارة الزراعة ما أعاد ملكية الارض للأخيرة ، وبهذه الحالة تعددت حلقات المشكلة اذ يتطلب الامر انهاء اشكال الشراكة مع الجانب الاردني، ومن ثم ايجاد صيغة توافقية بين وزارتي الزراعة والصناعة. مؤكدا: ان الاشكال مازال قائما مع مستغلي الأراضي الزراعية , حيث انهم يرفضون اخلاء الارض , و امتناعهم ـ بذات الوقت ـ عن تسديد ما بذمتهم من مستحقات .
تأكيدات على التاهيل
المهندس الزراعي المتقاعد مظفر العاني تحدث (للمدى) : كان مشروع الدجيلة الزراعي الصناعي من المشاريع الواعدة الذي لو استمر لكان من اسباب التقدم الزراعي الصناعي في البلد. مردفا: خصوصا وان انتاجية الدونم الواحد بعد استصلاح الاراضي ، تعتبر الاعلى حسب المقاييس العالمية. مشيرا الى اجهزة الري والمكننة الحديثة التي كانت احدى ميزات المشروع. لافتا الى ضرورة اعادة تاهيله بكل جوانبه الزراعية والصناعية كي يكون رافدا مهما للاقتصاد الوطني والانتاج المحلي الذي يحتاج للصناعات الوطنية الغذائية. وبشأن كيفية اعادة الحياة لهذا المشروع الحيوي والمهم ذكر العاني: إعادة الحياة لهذا المشروع تتطلب تفعيل القانون من اجل إعادة ملكية الاراضي للدولة، ومن ثم إعلانها للاستثمار الإضافة الى حل مشكلة الشراكة مع الجانب الاردني وابرام عقد جديد بين وزارتي الزراعة و الصناعة .
اما المهندس الزراعي حافظ لازم فقد بين بحديثه لـ(المدى) الحاجة لهذا المشروع في الوقت الحاضر خاصة مع تاكيد الحكومة على الانتاج المحلي. مشددا على ضرورة وضع خطة علمية مدروسة لاعادة تاهيل كل مرفقات المشروع والاستفادة من مياه سد الكوت في زراعة اراضي المشروع. منوها الى امكانية انشاء بحيرة اسماك ايضا ومعمل للصناعات الغذائية وتعليبها.
واضاف لازم: يفترض بالجهات المعنية الالتفات الى هذا المشروع بالسرعة الممكنة والمحافظة على ما تبقى منه. مشيرا الى ان عمليات السطو والسرقة والتجاوزات مازالت مستمرة ان كانت من الاهالي او المسؤولين سواء بالاستيلاء على مساحات من الاراضي او الحصة المائية. مؤكدا: ان بامكان اية شركة محلية زراعية او صناعية اعادة التاهيل والبدء الانتاج دون الاعتماد على الاستثمار الذي نخر كل مشاريع البلاد.