لا أريد ان اتحدث عن تفجير محال بيع الآلات الموسيقية في البصرة القديمة، ولن اتهم احداً، فما أنا بالمجنون، أو ممن يعرّضون اعناقهم للنطع، عقب كل حادث أمني، ولن أقول شيئاً عن الذين يقتلون ويخطفون ويبتزون، فالحكومة تعرفهم واحداً واحداً، مثلما يعرفهم الناس، ولن اتحدث عن سوء الخدمات وانعدام الأمن والفلتان المروري وخروج البصرة نهائيا من كونها مدينة زراعية، كما ان الحديث عن التلوث البيئي لم يعد مجدياً، إذْ ما معنى التلوث إذا كانت الحكومة هي من يضخ ملايين المترات المكعبة في نهر العشار لترسله الى شط العرب وليأخذه الجزر الى محطة تصفية
البراضعية ماء ملوثاً، مسرطِناً خايساً، ولن اتطرق الى مئات السفن الغارقة في شط العرب ومدخل الخليج، فهذه قضية باتت مملة جداً، اما بناء المدراس ومستوى التعليم والصحة وارتفاع معدلات الفقر وطفح المجاري وضياع المليارات فقضايا
خارج اهتمام الحكومة بكل تأكيد. ثم ما ذا يعني أنك تكتب ولا احد يقرأ، لا أحد في المبنى الحكومي يتنبه لك، وكأنك تسمعها صريحة منهم: أكتبْ ما شئت، نحن لا نقرأ، ولا نسمع
ولا نرى.
من يسمع بمحال بيع آلات الموسيقى، من غير البصريين والعرب، فسيتبادر الى ذهنه انها محال، واسعة، تعجُّ وتضجُّ بمئات الآلات الموسيقية، وهي نظيفة ومرتبة وفيها ما فيها من الأراغن والكمنجات والأعواد والكونترباصات وغيرها، لا، هي ليست كذلك، أبداً، فأصحابها من الذين لم يجدوا من بين فرص الحياة المعطاة لغيرهم فرصة يعيلوا بها أسرهم، هم يبعيون أو يستأجر الناس منهم الدفوف والأبواق والأعواد المصنوعة محلياً، الآلات التي يستخدمها الصبيان في مناسبات الأعياد والمناسبات الوطنية لا اكثر، ومحالهم مبنية بالاسمنت والطابوق والصفيح المستعمل لذا فهي بسيطة وصغيرة، متراصة وبالكاد، تؤمن لهم لقمة العيش، اللقمة التي سرقتها الحكومة واحزابها وأقطابها وأصحاب المال والسلاح فيها
منهم.
يُخطئ من يتهم احداً بحوادث القتل والتفجير، التي تحدث في المدينة التي يتعرض لها الفنانون
والصحفيون وأصحاب محال بيع الخمور والآلات الموسيقية وسواهم من الأبرياء، وممن يسكنون قاع المدينة، أبداً، لا عصابات ولا مليشيات ولا قاعدة ولا هم يحزنون في البصرة. هي الحكومة التي تشرعن للبعض منهم، وتمنح الاشارة الخضراء لذوي النفوس المظلمة، فهي ومنذ انْ أصدرت قرارها -سيئ الصيت- بمنع بيع وتداول الخمور والى اليوم، تتحمل وزر الذين قُتلوا واستبيحت دماؤهم في المدينة، وهي منذ
إصرارها على إظهار تشكيلتها ذات الصبغة احادية الطائفة، سمحت بمقاتل الناس خارج الطائفة هذه.
فهي لم تُشعر احداً أبداً، على انها تقوم على معاملة مواطنيها بعيداً عن الانحياز والميل، فقد ظلت على صبغتها هذه، في الشارع والسوق والدائرة والمدرسة، الأمر الذي أعطى الرسالة واضحة لكل ذي نفس مظلمة للقيام بافعال القتل والتفجير. ولو انها أصدرت أمراً بالسماح لأصحاب بيع الآلات الموسيقية وبموجب اجازات عمل، وثقّفت بما يوحي على أن افعالا
كهذه، لا ضير فيها، وهي مما يسمح بها من قبل الحكومة، وبموجب القانون، وانها تمنح الحياة نسغاً صاعداً الى ما يساعد الناس على تحمل اعبائها، لكانت قد سحبت البساط من تحت أقدام هؤلاء، ولحقنّا الدم وضمنّا الحياة والمال والطمأنينة، لكنها ظلت تتناغم مع توجهات هؤلاء وتتعاطي أفكارهم بشكل واضح وصريح. الحكومة هي ذاتها صاحبة القولة الشهيرة :
(صعده بالبدي).
حكومة (صعده بالبدي)
[post-views]
نشر في: 7 فبراير, 2017: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ناظر لطيف
عندما تؤثر كتاباتك عليهم سوف تبدأ المعركة عليك، احييك على مقالك