تساؤلٌ راود الكثير من العراقيين وهم يتابعون تداعيات قرار الرئيس الأميركي ترامب في حشرهم ضمن البلدان الإرهابية الممنوع دخولها إلى أرض الاحلام؟!
فرمان الرئيس ترامب يسمح بدخول التونسي والسعودي، مع احترامنا للشعبين الشقيقين، رغم أنهم أكثر الجنسيات انخراطاً في تنظيمات الجهاد العالمي. لكن القرار يحظر دخول العراقي، الذي يدفع ثمناً باهظاً لحماقات الولايات المتحدة في المنطقة منذ مجيء البعث بقطار أميركي في انقلاب 8 شباط الأسود.
وبينما تتعامل شركات ترامب مع عائلة بن لادن، وبقية مشايخ الخليج ممن شاركوا في ولادة القاعدة وداعش، لكنها تمنع عراقياً لم يكن له دور في كل هذا الخراب من حوله، ولا تجيب عن تساؤله عن سرّ استثناء بلد فرّخ 15 إرهابياً من أصل الـ 19 فجّروا أبراج مانهاتن.
بالتأكيد، فإن زيارة أميركا والتمتع بملذاتها هي آخر ما يفكر به العراقي المهموم بلقمة عائلته وأمنها. فلسنا، ولله الحمد، من الشعوب التي ترفع شعار "كيف تعيش بلا كاديلاك"، ولا من البلدان التي تموت جوعاً لو انقطع عنها البيرغر والكوكاكولا. فنحن شعب أقنعنا أنفسنا بفتات الحياة، رغم أننا ثالث منتج للنفط، ومن أكبر زبائن السلاح الأميركي.
فلم يهتم للحظر الأميركي سوى قلة قليلة من العراقيين من أصحاب الفخامات، أو من مزدوجي الجنسيات، أو ممن لديهم مصالح بين ضفتي الأطلنطي، ممن يشعرون بفراغ عاطفي أمام فيزا اليو اس أيه، أو الغرين كارت.
إلّا أنّ ما يحزّ في نفوس العراقيين أنّهم يجدون أنفسهم مجبرين على الرضوخ لقرار مهين لكرامتهم، رغم أنّهم ضحايا لإرهاب يتناهشهم من كل الجهات. وأنّ القرار يأتي بعد نجاحهم بهزيمة وحش كاسر هدّد باحتلال المنطقة بأكملها، ودفع مراكز الأبحاث الأميركية للحديث عن ضرورة التكيّف مع "الدولة الإسلامية" وقبوله كعضو ضمن الأُسرة الدولية.
القرار الأميركي دفع العراقي للإحساس بأنه يُقتل مرّتين، الأولى عندما يتم تهجيره واستهداف منزله أو مدينته بحجة محاربة القاعدة وداعش، ومرة أخرى بتحميله وزرَ السياسات والتقديرات الخاطئة لإدارات البيت البيضاوي منذ ريغان وانتهاءً بترامب.
مع ذلك، ومهما كانت درجة الاستياء والسخط اللذين خلّفهما هذا القرار، إلّا أنه يبقى شأناً خاصاً بدولة عظمى أصبح على رأسها رجل أعمال، يريد فرض قواعد السوق على واقع العلاقات الدوليّة. ومن ثم فإنّ زعلنا على أميركا سيشبه بطريقة ما زعل العصافير على بيدر الدخن. فلغة السوق تقول: بزنس أز بزنس!
لكنّ ما يثير الاستغراب هو تصديّ قيادات عراقيّة لتبرير قرار الحظر العنصري، الذي دانه ملايين الأميركان في شوارع واشنطن ليلة أداء القسم الرئاسي. فقد خرج وزير ليزفّ لنا، بالنيابة عن السفير الأميركي في بغداد، بشرى أنّ واشنطن لا تنظر للعراقيين كإرهابيين، وأنها تفكر بإعادة النظر بقائمة الحظر واستثناء العراقيين منها. لكنّ موقع السفارة الرسمي يكذّب سيادة الوزير، ولا يكلّف نفسه تبديد استياء العراقيين.
طابور المتحدثين بالنيابة عن واشنطن، انضمّ إليه مؤخراً مستشار الأمن الوطني العراقي، الذي خرج علينا ناقلاً تأكيدات نظيره الأميركي مايكل فيلن بأن "قرار ترامب لايستهدف العراق". ويتناسى مستشارنا التحذيرات التي أطلقها جنرالات أميركان، وشركات كبرى من تأثيرات قرار الحظر في مجال الأمن والنفط تحديداً.
أنصار اليمين المحافظ في العراق ذهبوا بعيداً في استثمار قرار ترامب. فقد أطلّ هؤلاء برؤوسهم مرة أخرى وهم يهلّلون للهراوة التي يرفعها رجل البيت الابيض بوجه من يقفون بوجهه. عاد هذا الصنف من طفيليات الحروب، لممارسة هوايتهم بالتسويق لسيناريوهات الخراب التي سوّقوها قبل أكثر من 13 سنة.
في النهاية، لسنا شعباً ناكراً للجميل، ولسنا قوماً نتنكّر لأصدقائنا، لكننا نؤمن بالتزامات متبادلة لهذه الصداقة، التي نتحملها دون الطرف الآخر، ولكي لا تتحوّل علاقتنا مع أميركا إلى "حبّ من طرف واحد"، كما عبّر عن ذلك أحد النوّاب المقرّبين من رئيس
الوزراء.
العراق وهراوة ترامب
[post-views]
نشر في: 8 فبراير, 2017: 07:07 م