TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ماذا لو استمرّ حكمُ أبيه؟

ماذا لو استمرّ حكمُ أبيه؟

نشر في: 10 فبراير, 2017: 07:17 م

ali.h@almadapaper.net

عندما أصدر علي الشوك كتابه " الأُطروحة الفنطازيّة " عام 1970  ، كان الأمر أشبه بحدث ثقافي غريب : " كنتُ أُريد أكتب اللامكتوب " هكذا يخبرنا  في مذكراته التي اختار لها اسم " الكتابة والحياة "  الصادرة عن دار المدى  ، أوراق  يأخذنا صاحبها للغوص معه في مرحلة مهمة من تاريخنا السياسي والثقافي ، بدأت في واحدة من  أجمل مناطق بغداد  " كرادة مريم " عام 1930  ، ومرت بمحطات كان فيها مصراً  على أن  يستبدل دراسة الهندسة المعمارية ،  بالرياضيات التي عشقها  وغيّرت مصيره بالكامل ليتّجه إلى مهنة واحدة هي الكتابة  :" في يوم من أيام 1947، اتخذتُ قراراً في أن أصبح كاتباً! أما الرياضيات التي كنتُ أدرسها، فستكون نزهتي في حياتي " .
في " الكتابة والحياة " نحن أمام شخصية تشبه حكيماً  قادماً من زمن مختلف، يخشى على بلاده التي غادرها مجبراً بعد تجربة مريرة مع السجن والتعذيب ، ويخفي خشيته  بنوبات من الحنين والآسى أحياناً  ، على زمن جعل من العراق  مجرد ذكرى لحلم  يريد له البعض أن يمرّ سريعاً .
لم يشبه علي الشوك  في الثقافة العراقية  أحداً. عمل في أقصى غرائب الثقافة وعاش حالما  باليوتيبيا التي قرر مع أصدقائه ذات يوم أن يقيموا نموذجاً لها في واحدة من مناطق بغداد ، بعيداً عن أعين السلطة ،  رائداً بلا منازع في فن الكتابة الأدبية ، وخبيراً بدقائق اللغة، ملمّاً بقواعدها، سابراً أغوار جملها ومفرداتها وحروفها وكلماتها جميعا .
ما زال يؤمن بأن الأدب يمكن أن يسرّب شعاع نور للمحبطين وللحالمين  ، ولهذا انتمى في شبابه  للحزب الشيوعي، الذي وجد أفكاره مغرية  ، لأنها ببساطة تعد بحلّ التناقضات الطبقية ،  و تساوي بين الناس ،  لا أحد يستغل الآخر ، هذا هو الحلم الباقي حتى بعد انهيار البلدان الاشتراكية .
في المذكرات نحن أمام  كاتب يلاحقه شعور بالذوبان في الجسد الكبير للعراق ، عبر شبكة مختارة من أصدقاء، وأحبّاء، لهم في  مذكراته مكان متميز .
أعدت مع " الكتابة والحياة  " قراءة مرحلة مهمة من تاريخنا  ، وكلما خيّل إليّ أنني  أعرف علي الشوك من خلال كتبه ، أكتشف وأنا أغوص في المذكرات أنني لا أعرفه جيداً  . لأنّ العشاق  الكبار أمثاله لا يوجدون لحظة واحدة خارج الكتابة  والحياة .
في المذكرات توقفت عند حادثة طريفة يذكرها الشوك:" بينما كنت أُلقي الدرس لطلبة الصف الثالث ، كان في مؤخرة الصف طالبان يثرثران ، أحدهما كان أخا مظفر النواب  وكان هذا جالساً الى جوار طالب آخر كان يلغو،فزجرت هذا الطالب  وامتثل ، ثم انتهى الدرس وخرجت ، هرول أخو مظفر في إثري ، واقترب مني ، ثم قال لي :" هل تعلم أُستاذ من هو الطالب الذي زجرته ؟
- من هو . . قلت
- إنه ابن رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف  
- صحيح قل له يوصل احترامي لوالده .
ويختتم الشوك بجملة مؤثّرة :" كم كنتُ أتمنى لو استمر حكم أبيه "

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. بغداد

    استاذ علي حسين عاش قلمك وعاشت إيدك وفكرك وروحك النموذجية الصادقة الصافية على هذا المقال الرائع عن هذا الرجل والشخصية التي تشبه الحكماء علي الشوكي . شكرًا لك دائماً تذكر لنا أشخاص متميزين يمتلكون مكانة ادبية ثقافية خاصة نادرة لولاك ما عرفنا عنهم... وكذ

  2. ناظر لطيف

    جميل ما كتبت سيدي!

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram