يشدو المطرب المصري مدحت صالح بأغنية حلمية تنشد يوتوبيا مستحيلة ، ويردد في مطلعها : "رافضك يا زماني يا مكاني يا أواني ، انا عايز أعيش في كوكب تاني .. فيه عالم تاني فيه لسه أماني ، فيه الانسان لسة إنسان ،عايش للتاني ...."
اختصر مدحت صالح أو شاعر الأغنية معضلتنا البشرية في هذه الكلمات حيث أحلامنا المجهضة وأمانينا المقتولة وعقائدنا التي أجهزت على انسانيتنا ، حيث الكائن البشري الذي تخلى عن انسانيته مقابل ثمن بخس لرفاه خادع ووعود ايدولوجية لم تحقق للبشرية سوى المزيد من الموت والتهجير والتدمير الممنهج والحرمان من الحرية .
هل يحق لكائن أرضي أن يحلم بكوكب آخر ؟؟ ترى أي الكواكب سترحب بكائنات يائسة دمرت كوكبها بحروبها وعنفها واستهلاكها وعقائدها الفاتكة وفقدانها لإنسانيتها ؟؟ الايحمل الانسان خرابه أينما يتجه ؟؟ ألن يخرب الكواكب الأخرى التي سيحط عليها؟؟ هل سيرحل مغسول الدماغ أم يحمل كل أدرانه الأرضية ومرارته ويأسه في حقيبة الروح والذاكرة .؟؟ أما أخبرنا كافافي في قصيدته "المدينة" بمقولته الخالدة "فطالما خربت حياتك هنا في هذا الركن الصغير، فقد دمرتها في كل مكان من العالم ."
يبدو أن مصير كوكبنا مهدد بالغرق الفاجع ، ليس في المحيطات التي احتضنته منذ نشوء الحياة وإنما في بحار من دماء تسفكها الحروب الدينية الجديدة التي أعادت دورة القرون الوسطى ، حروب يقاتل محاربوها بأسلحة مدمرة مسندة بأفكار تبدو خيرة في ظاهرها كـ ( الديموقراطية ) أو ( العدالة ) او دولة الشريعة وعقائد تدعو إلى إقامة دين واحد وتطبيق شرائعه بوسائل تحول البشرية إلى قطعان مذعنة مسلوبة الارادة ، فمن سبي وحرق واغتصاب وقطع رؤوس ، تشتعل هذه الحروب بإدارة عقول متخفية تقرر مصير الكوكب بالتعاون مع مصانع الاسلحة والسيارات والسموم والادوية التي تستوردها الدول الصغرى المنفذة لخطط الدمار.
مريع أن يغرق كوكبنا الأزرق وتفنى بغرقه الملاحم والمآثر الفكرية والفلسفات العظيمة والأعمال الفنية وعجائب الدنيا قديمها وحديثها وقصص العشق الباهرة وحكايات الأطفال الممتعة ومعه ستفنى الدكتاتوريات والنظم الثيوقراطية والنظم العشائرية والقبائل البدائية في الغابات ومافيات العنف والمخدرات في نيويورك أو موسكو أو طوكيو أو صقلية أو بغداد ، وتصبح قصة كوكبنا أمثولة ترويها كائنات الكواكب العاقلة لعلها تتعلم من فنائنا مايبقيها فتعيد النظر بشؤون كواكبها ؛ فلا منجى من الغرق والفناء إذا ماسادت الكواكب أفكار ومطامع الأرضيين ونزعاتهم المدمرة منذ نشوء الحياة بأشكالها الأولية وحيدة الخلية مرورا بظهور العباقرة العظام كغاليليو ودافنشي وابن الهيثم وابن رشد واينشتاين حتى ظهور الكائنات الأكثر تفاهة في زمننا على شاكلة الديكتاتوريين العرب واوباما وترامب وهيلاري كلينتون وبوكو حرام وداعش ومشرّعي البرلمان العراقي الذين يحاولون إعادة الزمن الأرضي إلى عصر الاميبيات الغبية.
يأخذنا كوكبنا معه في رحلة الغرق القيامية ،كوكبنا الذي تصوره البابليون والإغريق والهنود على شكل قرص يعوم في محيط مائي وتصوره آخرون بشكل دائرة منبعجة ،ومضت التخيلات البدئية تصنع أساطيرها الأولى عن شكل عالمنا وطريقة نشوئه فتخيلته قصيدة الخليقة البابلية متخلقا من أشلاء الأم الأولى “تيامات” التي اغتالها ابنها ومن نصفها صنع الأرض والجبال ومن النصف الآخر صنع السماء والنجوم ولم يتبق لنا من مهرب في الأرض المدورة كما تشكت طفلة صغيرة في قصيدة لها:
" لوكانت الأرض مربعة لاختبأنا في إحدى الزوايا ولكنها مدورة ، لذا علينا أن نواجه العالم."
لو كانت الارض مربعة ً..
[post-views]
نشر في: 11 فبراير, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...