TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التداوي بالأدعية والصدقات

التداوي بالأدعية والصدقات

نشر في: 11 فبراير, 2017: 09:01 م

واضح أن معظم شاشات الأل سي دي المنصوبة في العيادات الطبية، بمدن الوسط والجنوب العراقيَيَن مفتوحة على القنوات الدينية، في توسل بالشفاء والمعافاة ودرء خطر المرض، وواضح أن المرضى في العيادات هذه يقومون بتقديم الصدقات للشحاذين الذين وجدوا في العيادات هذه المرتع الخصب لهم-المفارقة إن الشحاذين أغنى من المرضى- وواضح أيضاً أننا لن نعثر في صفحات غالبية الاطباء على الفيسبوك الى ما يشير الى بحث طبي، او منجز ما، او ترجمة لنشرة طبية ماخذوة من إحد المراكز البحثية العالمية، وقد تأكدت بنفسي من إدمان العديد منهم  على نشر الادعية المأثورة والمعلومات التاريخية الرخيصة في صفحاتهم الشخصية، في تعمية وتجهيل يكشفان  حقيقة التردي الحاصل في أدق مفاصل الحياة عندنا.
  في مدينة مثل البصرة حيث يظن سكان مدن الناصرية والعمارة والسماوة وغيرها بان أطباء البصرة هم الأفضل من بين اطباء الجنوب، بعدما  صار بناء مستشفى مركزا طبياً، مجمع عيادات واحدا من مطامح المستثمرين، ولأجل ذلك فقد اكلت المستشفيات الخاصة والعيادات والمختبرات الأرض في مركز المدينة، وزحفت على معظم الدور السكنية والمحال التجارية في ضواحي مثل الجزائر وبريهة والسعدي والمناوي وغيرها، وحوّلتها الى الوجهة الجديدة هذه، وهذا من الناحية العملية شيء يصب في مصلحة الواقع الصحي، إلا اننا نجد أنَّ الزحف هذا لا يتساوق مع صحة الناس ومعافاتهم، هل نقول باننا شعب مريض؟ هكذا يبدو الأمر.
  يحدثني جاري الطبيب الاختصاص بالأمراض الجلدية عن زيارات شبه يومية  يقوم بها تجّار وممثلو شركات الأدوية لعيادته وعيادات الأطباء، وكيف يُعرض عليه صرف هذا الدواء وذاك العقار مقابل نسبة من المال، ثم يحدثني عن نسبة كبيرة من الأطباء ممن قبلوا ويقبلون بالعروض هذه، وغير خاف أن الأدوية التي يتم صرفها هنا، هي إما غير فعالة او تشوبها شائبة ما، وبذلك يكون المريض قد خضع لإبتزاز في صحته وماله. ومثل القصة هذه نسمع قصصا اكثر غرابة، إذ ان المكاتب التي تعلن عن رحلات العلاج في إيران والهند وأربيل والاردن تمنحنا الوردي من التخيلات لكنها تضمر وتخفي ما هو أقسى وأمرّ.  
  وغير خافٍ على احد أن كل طبيب في مدن العراق أجمعها ، إنما يتعامل مع صيدليته الخاصة ومختبره الخاص، ممن يأتمن ويجد فيه الكفاءة، لكن، وفي جانب من القضية هناك تعاون مالي مشترك، لذا هم شركاء مهنة ومنتفعو مال، هذا إذا احسنا الظن، ولم نقل بان التعاون هذا لا يعني صحة المريض، قدر عنايته بجيوب هؤلاء، ومعلوم أيضاً ان معظم الذين يزورون العيادات هذه، هم من طبقة الفقراء وكبار السن ومن الذين يتقاضون رواتب الرعاية الاجتماعية، فهؤلاء الأكثر عرضة للمرض من غيرهم، اولئك الذين ينتظرون مواعيد صرفها ساعة بساعة، لكي ينفقوا راتبهم بمراجعة واحدة، لا أكثر، ومعلوم كذلك أن ميسوري الحال من موظفي الدولة الكبار لا يزورون العيادات هذه، فهم يتلقون العلاج في الخارج، على نفقتهم الخاصة او على نفقة الدولة.
  مؤلم قولنا إن غالبية الأطباء العراقيين اكتفوا بمعالجة مرضاهم بما متيسر لديهم من معلومات حسب، دونما سعي في بحث، دونما اكتشاف لجهاز او لنوع من العقار، في وقت يتحدث الجميع فيه عن ارتفاع نسبة الاصابات بالامراض السرطانية مثلاً، او أن الدواء في الصيدليات العراقية غير فعال، فضلا عن التكلفة الخيالية للعلاج.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: عراق الشبيبي وعراق هيثم الجبوري

 علي حسين اظل أكرر واعيد إن أفدح الخسائر التي تعرض لها العراق ان الكثير من مسؤوليه وساسته غابت عنهم الروح الوطنية ، واصبحت كلمة النزاهة مجرد مفردة تلوكها الالسن ويسخر منها اصحاب الشأن...
علي حسين

كلاكيت: السينما عندما توثق تفاصيل المدينة

 علاء المفرجي بغداد والسينما.. المدينة والسينما.. كيف لنا ان نختار شكل العلاقة او ما الذي يمكن ان نكتشف من هذه العلاقة؟ وهل يمكن لبغداد كمدينة ان تنفرد مع السينما فتختلف عن علاقة المدن...
علاء المفرجي

الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!

رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
رشيد الخيون

قَدْحُ زناد العقل

ابراهيم البليهي حَدَثٌ واحد في حياة الفرد قد يُغَيِّر اتجاهه إذا كان يملك القابلية فيخرج من التحديد إلى التجديد ومن الاتباع إلى الإبداع وعلى سبيل المثال فإن هوارد قاردنر في السبعينات درَس علم النفس...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram