منذ أن اندلعت تظاهرات صيف 2015، والاطراف السياسية تتسابق مع بعضها في إطلاق المبادرات التي عادة ما تواجه الفشل بفعل المنافسة والمناكفة المعهودة.
كانت التظاهرات عند انطلاقها "مطلبية" تطالب بالكهرباء وتحسين الخدمات، لكنها تحوّلت، بفضل دخول الاحزاب على خطها، الى تظاهرات تحمل شعارات سياسية اسقطتها في فخ التقاطعات وادت بها الى العزلة.
وقتها انحصرت سيناريوهات الاصلاح بمشروعين. الاول يقوده رئيس الوزراء الذي ركز على ترشيق كابينته الوزارية، وتقليص اكبر عدد ممكن من ذوي الدرجات الخاصة، في مسعى منه لخفض الانفاق الحكومي. وتبنى زعيم التيار الصدري المشروع الثاني الذي ركز على اختيار الوزراء التكنوقراط.
ظلت البلاد تدور في دوامة هذين المشروعين لاكثر من سنة. فلم ينجح العبادي بتنفيذ خطته بعد ان اصطدمت بجدار الكتل السياسية الصلب. ايضا لم ينجح الصدر بمشروع الوزراء التكنوقراط، لانه مبني على فرض الارادات، وهو ما رفضته الكتل ايضا. وانتهى هذا الحراك بطلاق غير معلن بين الصدر والتحالف الوطني. وتحول المشروع الى "التكنوقراط الحزبي"، عبر اختيار وزراء ترشحهم كتل سياسية.
كان واضحا وقتها ان هذه المشاريع لا تفضي الى الاصلاح الذي يريده المتظاهرون قبل دخول الاحزاب على الخط. لانها ببساطة، مشاريع لاتلامس جذور الازمة التي يتظاهر ضدها المواطن البسيط.
في موازاة هذين المشروعين، كانت الاصوات المستقلة تلحّ بضرورة توجيه بوصلة الاصلاحات صوب كسر المحاصصة بوصفها الرحم الذي انتج عملية سياسية مشوهة تعاني من عوق ولادي مثقل بالفساد السياسي والمالي والامني والخدمي. الدعوات وقتها تركزت على اهمية الخروج من صيغة الحكم الحالية والذهاب نحو صيغة وطنية، تحظى بتمثيل واسع، وتتقاسم الحياة السياسية على اساس حكومة ومعارضة فاعلتين.
كيف واجهت الاحزب والكتل ازمتها السياسية والاجتماعية بعد فشل مشاريع الاصلاح؟
عاد رئيس الوزراء الى ترميم كابينته بترشيح وزراء للدفاع والداخلية مع تركيزه على مواصلة عمليات التحرير، فيما واصل التياران المدني والصدري تظاهراتهما المشتركة من دون سقف واضح.
وحده المجلس الاعلى حاول الخروج من الاطار الضيق بتبني سلسلة مبادرات، ابتدأت بوثيقة الشرف التي حاولت لملمة شتات تحالف القوى التقليدية، لكنه تراجع بفعل الانتقادات التي وجهت له.
ومع تولي الحكيم زعامة التحالف الوطني، وجد المجلس الاعلى نفسه قادرا على الذهاب بعيدا عن صندوق الكتل، فطرح مشروع "التسوية" في محاولة لصناعة اجماع سياسي لمرحلة ما بعد داعش.
لكن الثغرات التي يعاني منها المشروع، والتحفظات الكبيرة التي واجهها من جهات مؤثرة، كالمرجع السيستاني وزعيم التيار الصدري، ادى الى تراجع حماسة الحكيم وكتلته للمضي قدماً.
مؤخرا، أطلّ رئيس التحالف الوطني بمشروع جديد، طرح فيه، لاول مرة، مشروعا يتبنى "الاغلبية" حتى وان داراها بقيد "الوطنية". في رسالة من زعامة التحالف الوطني لتبديد مخاوف الشركاء من "ديكتاتورية الاغلبية".
ويبدو ان نضوج الكتل، ونضوب الخزينة، وتصاعد الاستياء الشعبي، شكلت مؤثرات قوية لدفع الاطراف السياسية لاعتماد خيارات تمثل جوهر النظام الديمقراطي. فالاصلاح السياسي لن يتم الا عبر الخروج من المحاصصة. ولن يتاح الخروج من المحاصصة إلا بصيغة تضمن شراكة مسؤولة تمارسها المكونات عبر ممثليها السياسيين في كل من الحكومة والمعارضة.
لدينا فرصة مناسبة، لحين اجراء الانتخابات البرلمانية مطلع 2018، لانضاج صيغة أغلبية تضمن وحدة البلاد واعادة توزيع السلطات، ومعاملة العراقي على اساس المواطنة.
عراق التسوية أم الأغلبيّة؟
[post-views]
نشر في: 15 فبراير, 2017: 09:01 م