اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > الحاضرة في العراق.. مدن بلا مستشفيات!

الحاضرة في العراق.. مدن بلا مستشفيات!

نشر في: 18 فبراير, 2017: 12:01 ص

مرة أخرى أعود الى مدن تبعث الحسرة بعدما كانت تبعث الأمل وعشق الحياة. مدن ظاهرها الفوضى وباطنها العذاب، إذ يصبح طبيبها جزاراً  والمشفى فيها بابٌ الى عذابٍ لا يتوقف، الدخول اليه لا يجلب الشفاء ،بل ربما الشقاء، ويزيد العلة عللاً  أخرى.طالما وُ

مرة أخرى أعود الى مدن تبعث الحسرة بعدما كانت تبعث الأمل وعشق الحياة. مدن ظاهرها الفوضى وباطنها العذاب، إذ يصبح طبيبها جزاراً  والمشفى فيها بابٌ الى عذابٍ لا يتوقف، الدخول اليه لا يجلب الشفاء ،بل ربما الشقاء، ويزيد العلة عللاً  أخرى.

طالما وُصف الطب بأنه أشرف المهن وأسماها، وقد كرّس أبقراط ( هيبوكراتس 460-370 ق.م) – أقدم أطباء التاريخ ربما، ومؤسسه – ذلك في قَسَمه الشهير لمن أراد مزاولة هذه المهنة فقد جاء فيه " أقسم .... وبجميع الأرباب والربّات وأشهدهم بأني سوف أنفذ قدر قدرتي وأجتهادي هذا القسم وهذا العهد... وسوف أحافظ على حياتي وفني بطهارتي وتقواي...فإنني سأدخل لنفع المريض... "
إن الحديث عن الصحة والطب وواقع  المستشفيات في العراق متشعبٌ جدا والغرض منه هنا هو التركيز على الجوانب التخطيطية والمعمارية للمباني الصحية في العراق عموما.
تعرّف منظمة الصحة العالمية التابعة للامم المتحدة ( WHO - World Health Organization) مفهوم الصحة Health بأنه الوضع المتكامل للسلامة البدنية Physical والعقلية Mental والاجتماعية Social وليس مجرد غياب الأمراض Disease & Infirmity . ثم أضيفت الى ذلك معايير أخرى بيئية واجتماعية واقتصادية.
تؤثر مسألة السلامة الصحية في حياة واقتصاد الملايين من الناس وبشكل يومي سواءً مرضى او زوّاراً  او عاملين ضمن هذا القطاع. يشير كتاب ( Lean-Led Hospital Design,2012 ) الى أن تاريخ الولايات المتحدة الاميركية لم يشهد ارقاماً  مخيفة كالتي شهدها الحاضر حين بلغ الانفاق على الخدمات الصحية 2.6 تريليون دولار او 18% من الناتج المحلي الاجمالي GDP ، أي ما يعادل انفاق 1000 دولار لكل 5 ثوانٍ التي تعادل الاستهلاك لـ 412 سنة.
وطبقاً  لذلك فإن المستشفى ( المشفى ) يجب أن  يكون بيئة يجد فيها قاصدها ( المريض ) ما يؤمن راحته وشفاءه.
يذكر مؤلفو كتاب ( Improving Sustainability During Hospital Design and Operation ) أن المفترض من المستشفى هو دعم الصحة العامة  لكنها في ذات الوقت تتطلب طاقات عالية وهيكلة اجتماعية مؤثرة التي تترك آثاراً جانبية على كلا الصحة والبيئة. وإن مبنى المستشفى كالجسد لا يمكن لعضو فيه أن يعمل بسلامة إذا لم يكن باقي أعضائه سالمين.
فما هو واقع المستشفيات في العراق كبيئة لاستقبال من هو بحاجة اليها؟ وهل هناك معايير واضحة تخَطَط وتصمَم وتبنى على أساسها مستشفياتنا؟ وهل تلتزم وزارة الصحة والمستشفيات بما يجب الالتزام به؟ وهل تمتلك المستشفى في العراق بيئة سليمة من الناحية الفيزيائية والنفسية وكذلك الاجتماعية؟
تقسِّم كتب التصميم الاساسية (  Neufert & Time Saver) المباني الصحية الى صنفين رئيسيين هما المستوصف  Health Care Centre والمستشفى Hospital وذلك أعتماداً  في الاساس على الكادر العامل في كل منهما وعلى طريقة التعامل مع مستخدمي هذه الخدمات – المرضى بالأساس - . يوظف المستوصف الاطباء الممارسين General Practitioners في  حين تعتمد المستشفى على الاختصاصيين   Specialists، ويتلقى المراجع في المستوصف معالجاته الاولية فهو بالاساس مكان اللقاء الاول للمراجع بالقطاع الصحي في حين يتلقى المراجع في المستشفى كل العلاج اللازم بغض النظر عن الفترة اللازمة للعلاج.
بالتأكيد هناك مبانٍ أخرى تدخل ضمن المباني الصحية كالمستشفيات الخاصة والأهلية والعيادات والمستشفيات النفسية وربما تلحق بها مذاخر الأدوية والتجهيزات الطبية والصيدليات.
من الناحية التخطيطية والتصميمية تعتبر المباني الصحية واحدة من أكثر المباني تعقيداً  ولها العديد من الضوابط التي يتوجب توفرها مثل؛ الموقع بالنسبة للمدينة، الحركة وانسيابيتها وخاصة للمرضى و ذوو الحاجات الخاصة، تقسيم ردهات المبنى بوضوح، الخصوصية، الأمان، و المرونة في التوسع المستقبلي.
لا تتضمن ضوابط اجازات البناء لأمانة بغداد شيئاً  عن تصميم المستشفيات العامة وتتضمن عشر نقاط عن المستشفيات الأهلية وعدداً  آخر عن تصميم الصيدليات والمذاخر. في حين يضع دليل AIA  (American Institute of Architects) الاميركية لعام 2006 مئة صفحة في محدّدات تصميم المستشفيات العامة .
يشكل عامل إختيار الموقع للمستشفى أمراً  مهماً  لتجنب الكثير من السلبيات، وعادة ما يتم إختيار موقع سليم وصحي وربما قريب من عناصر الطبيعة المهمة كالانهار. توزع بعض مستشفيات نيويورك مواقعها قريبا من أطراف مانهاتن المطلة على الماء لتلتصق إحداها بـ  East River، وتوزع مستشفى كارولينسكا السويدية في ستوكهولم مبانيها في منطقة مجاوره للمياه، وتحاذي مستشفى أوربرو في السويد نهر  Svartan. تقع مدينة الطب في بغداد في موقع مشابه قريبا من نهر دجلة، في حين تقع معظم المستشفيات الاخرى في مواقع مكتظة غير قابلة للتوسع كما هو الحال مع مستشفى الكاظمية ومستشفى الحلة والناصرية وتقع مستشفى الديوانية العام قريبا من ضريح أبي الفضل والمقبرة المجاورة له والتي تحوّل بعضها مؤخرا  الى مركز للتسوِّق.
اما في ما يخص الحركة داخل المستشفى وفي المساحة المحيطة بها فإن مفهوم التصميم العام Universal Design ومفهوم الاتاحة Accessibility يشكلان مبدأين تصميميين لا يمكن أهمالهما بأي حال من الأحوال حتى في أصغر عيادة طبية فكيف بالمستشفيات العامة؟ وببساطة يؤكدان هذا المفهومان على إنسيابية  الحركة وسهولة الانتقال الأفقي والعمودي داخل المستشفى وخارجها وإعتبار ذوي الحاجات الخاصة هم أصحاب الأولوية هنا، بل أن الواقع يشير الى أن كل مستخدمي المستشفى - من مرضى ومرافقين وزوّار وكادر طبي - هم من ذوي الحاجات الخاصة لأن الكل هنا هم في خدمة المرضى والذين يكونون حينذاك في وضع مماثل تماماً  لذوي الحاجات الخاصة.
وأن الواقع العملي حاليا ً يُشير بوضوح الى أن كل مستشفيات العراق قديمها وحديثها تفتقر الى هذين المفهومين وبشكل مزرٍ لا يمكن القبول به. وهنا تقع المسؤولية كاملة وبشكل أساسي على وزارة  الصحة وإدارتها في وضع المعايير الصحيحة وفي تطبيقها وفي متابعتها والمحاسبة على التقصير فيها، إلا أن زيارة سريعة لوزارة الصحة نفسها بمبناها الكئيب المكفهر في باب المعظم في بغداد يكفي لمعرفة أن الوزارة هي  مجرد كتلة من الفوضى غير قابلة للإصلاح!
ويشكل عامل المرونة في التوسع المستقبلي للمستشفى مبدأً  تصميمياً  مهماً لاستيعاب الحاجات المتزايدة دون أن تشكل عبئاً إقتصادياً  مزعجاً  للدولة والمجتمع. هذا العامل الذي عادة ما يكون منسياً  في تكوين مستشفياتنا في العراق مما يحيل المعالجات المستقبلية الى إضافات تلفيقية غير مدروسة عادة ما تكون على شكل كرافانات أو هياكل مؤقتة فاقدة لكل المعايير.
ولعل من أهم مزايا التصميم وكذلك التخطيط في المستشفيات هو صياغة البيئة الملائمة نفسياً  وليس فقط مادياً ، فإن التجارب العديدة أثبتت وبوضوح لا يقبل الشك أن العلاج النفسي يُسهم بشكل مؤثر في التعجيل بكل أنواع العلاج لكل أنواع الامراض بلا أستثناء. وأن توفر البيئة المريحة نفسياً  هي عامل مهم في شفاء المريض وفي سرعة خروجه من المستشفى وفي تخفيض الميزانية المخصصة لعلاجه وفي تخفيف الضغط على الكادر العامل.
لقد أثبتت الدراسات التي أجراها بروفسور العمارة السويدي روجر اولرتش عام 1993 والاعوام اللاحقة أن البيئة الملائمة وبالذات المتداخلة مع الطبيعة تُسهم في تعجيل شفاء المرضى مقارنة بالذين يعالجون في بيئة خالية من عناصر الطبيعة.
ولنعد الى بيئة مستشفياتنا في العراق لنصطدم بواقع مؤلم وبيئة معمارية مهترئة، خشنة، مملة، متعبة للجسد والعين والروح. بيئة تبعث على السأم وتزيد المريض مرضاً  وإرهاقاً. ويزيد من الاثار السيئة لهذه البيئة المعاملة الخشنة للكوادر الطبية العاملة والاهمال الفاضح للمريض ولاحتياجاته، وأن مَن كان يوصف بملاك الرحمة أصبح الان كالسجّان، حتى لقد أصبح الدخول الى المستشفى في العراق كابوساً  يصيب السليم بالمرض قبل إصابته.
ولمعايشة هذا الواقع المؤلم تكفينا زيارة واحدة لإحدى المستشفيات المهمة في بغداد كمستشفى اليرموك وخاصة قسم الكسور.
ولغير البالغين من  المرضى كالاطفال تشكل زيارة المستشفى فعالية مرهقة ومشواراً  مرعباً  غالباً  ما يبتدىء بالتذمر وربما بالبكاء وينتهي بهما. في حين تشكل هذه الزيارة للاطفال في الدول الملتزمة بمعاييرها التصميمية وأخلاقها المهنية متعة لتشكل جزءاً  فعالاً  في علاجه.
لقد أصبح المرض في بلدي نقمتين، نقمة المرض في ذاته ونقمة علاجه في مستشفيات مهمِلة ومهمَلة! فمتى ستكون لدينا مستشفيات؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram