TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سهولة ( الشهادة)

سهولة ( الشهادة)

نشر في: 17 فبراير, 2017: 09:01 م

و"لاتدري نفس بأي أرض تموت "، ولايدري العراقي أي موت ينتظره وهو يخرج من بيته ككل يوم ليلتحق بعمله او يقضي أمرا او يتبضع في الاسواق أو يرفّه عن نفسه في مقهى ..لقد تساوت الأمور لديه لدرجة انه لايتوانى عن مواصلة حياته العادية بعد كل موت مفاجئ وكأنه كان على موعد مع الموت أو انه رفيقه الدائم الذي لم يعد يخشاه أو يتهيب حضوره ..صاريمكنه ببساطة أن يشهد انفجارا تتساقط فيه عشرات الجثث وتسيل فيه دماء غالية وما ان يبتعد عنه قليلا حتى يشغل مذياع السيارة ليستمع الى اغنية راقصة أو يتناول وجبة سريعة ..أما حين يشاهد صور الانفجارفي مواقع التواصل الاجتماعي فيكتفي بالترحم على الموتى والدعاء لهم بالجنة والدعاء على من كان السبب في اضافة يوم دام آخر الى ايام العراق
الدامية ...
لم يكن العراقي يوما متبلد الاحساس أو شديد الايمان بالقضاء والقدر،  فقد كان انسانا طبيعيا كغيره يحلم ويعمل لضمان المستقبل ..يحزن حين يرى الموت ويبكي لبكاء طفل يتيم ، لكن كثرة الموت أفقدت العراقي حواسه وصار كل مايفكر فيه هو تحصيل رزقه اليومي لإدامة حياته وحياة اسرته يوما آخر قبل أن يصبح رقما في احصائية قتلى انفجار جديد ..يدرك العراقي انه سيحمل وقتها صفة (شهيد )  وهي ارقى بكثير من صفة قتيل او متوفى ، لكن الشهادة ذاتها فقدت معناها منذ ان صارتحصيلها اسهل بكثير من الخروج الى الجهاد او الدفاع عن أرض او عرض ، اذ باتت وجها       آخر للموت المتربص بالعراقيين في كل مكان ..
بعد أن انكشفت لعبة (السونار ) القذرة وتبين ان عشرات السيارات المفخخة مرت بسهولة أمام عينيه وراح ضحيتها مئات العراقيين ، ظهرت كذبة نصب كاميرات المراقبة في الشوارع لتحظى بسخرية العراقيين فالسيارات المفخخة مازالت تجوب الشوارع بثقة والانتحاريون يواصلون اختيار الاماكن الأشد زحاما لتحقيق موت اكثر دسومة ، وفي الوقت الذي تنتعش فيه جيوب المسؤولين بمثل هذه الصفقات حتى يحل يوم انكشاف ماخفي وراءها الذي يمر بدوره بدون حساب ، يتواصل مسلسل الموت اليومي وتتزايد الأيام الدامية ويصبح الموت رفيقا أليفا لايخشاه العراقيون ...
بعد حادث الكرادة الرهيب والشهير ، لم يتوخّ العراقيون الحذر من أماكن التسوق والترفيه وواصلوا التواجد فيها في المناسبات وسواها ، فالموت العراقي زائر مفاجئ لايعلن عن موعد مجيئه لكنه متواجد في كل مكان ، لهذا زارمنطقة الحبيبية ليخلف عشرات الضحايا ، ثم انتقل في اليوم التالي بخفة ليزور معارض البيع المباشر للمركبات في منطقة البياع ويمنح صفة الشهادة لأكثر من خمسين روحا
بريئة ...
في اليوم التالي ، خرج العراقيون لمواصلة حياتهم دون أن يشغلوا اذهانهم بالحاجة الى تغيير الخطط الامنية او محاسبة القيادات المقصرة وتعزيز الرقابة ، فالمهم لديهم هو تحصيل رزقهم وقضاء حوائجهم والأهم هو اعتياد زيارات الموت المفاجئة والتوقف عن انتقاد السياسيين الذين استوردوا لهم الموت المجاني مع الديمقراطية المستوردة ويكفيهم أن يطالب مجلس النواب رئيس الوزراء بإعلان الحداد الرسمي العام على ارواح شهداء الحبيبية والبياع ، فهذا اكبر دليل على ان المسؤولين العراقيين ليسوا متبلدي الاحساس وان موت العراقيين يعني لهم الكثير !!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram