حقّق المعرض الاستعادي الشامل للفنان الصيني المتميّز والمثيير للجدل «آي وَيْوَي» المُقام في مدينة فلورنسا الإيطالية رقماً كبيراً من الزوّار قياساً إلى أيام إقامته التي ابتدأت من الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، فقد زار المعرض حتى إغ
حقّق المعرض الاستعادي الشامل للفنان الصيني المتميّز والمثيير للجدل «آي وَيْوَي» المُقام في مدينة فلورنسا الإيطالية رقماً كبيراً من الزوّار قياساً إلى أيام إقامته التي ابتدأت من الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، فقد زار المعرض حتى إغلاقه 150 ألف زائر واستمرّت طوابير الزوّار طويلة وتراوح وقت الانتظار للدخول ما يربو على ساعة كاملة. وكل هذه الأرقام تجعل من المعرض مثالاً للأحداث الثقافية في العام الجاري.
وعُدّ هذا المعرض، الذي نسّقه المدير العام لـ «مؤسسة قصر ستروتسي» التاريخي في فلورنسا آرتور غالانسينو، من بين أوسع المعارض لهذا الفنان وضمّ ما يربو على ستين عملاً من بين الأعمال التي أنجزها خلال العقدين الأخيرين، وتراوحت ما بين النحت والتشييد والفيديو والفوتوغراف، ولعل الصورة التي اختارها «آيْ وَيْوَيْ» للملصق الإعلاني لمعرضه الفلورنسي، أشدّ دلالة على هموم وشغف هذا الفنان في الإبصار في المستقبل، إذْ تفتح سبّابته وإبهامه حدقَتَيْ ناظريه، كمن يقول للمشاهد: «أنا أرى، لكنّي أُحاول الإبصار بعيداً.. في الآتي من المستقبل…».
آصرةٌ حقيقية مع الآني
«آيْ وَيْوَي» مرتبط بالآني، الواقع والآن، ويفعل ذلك عبر استخدام كلّ ما تقع تحت يديه من أدوات ومفردات، قد تبدو في ظاهرها مركونة جانباً، أو جزءاً من الماضي، يُعيد صياغة تلك الأشياء والأدوات ويعيد «تشييدها» مانحاً إيّاها حياة أخرى، ولا يحول أيٌ شيء ما بين الفنان ومجريات الأحداث حواليه، وهو لا يكتفي بالضرب على وتر «لا شيء يَفْنى.. ولا شيء يولد من العدم…» فحسب، بل تتحوّل بعض أعماله إلى ما يُشبه «الشهادة» على ما يحدث حوالينا، كما فعل ب «مُشيّدته» التي أطّرت واجهات قصر «ستروتسي» الثلاثة: شريط من القوارب المطّاطية، زهرية اللون إمتدّت على الواجهات، وبدت للناظر إليها من بعيد بمثابة باقة ورد زهري اللون يؤطر لمكان إقامة معرضه، لكن، ولمجرد الاقتراب من المبنى والتدقيق في تلك القوارب المطّاطية، يكتشف المشاهد بأن قيعان تلك القوارب مثقوبة بالكامل بمشبّك مطّاطي من اللون ذاته، ما يجعل منها قوارب قد تطفو على سطح الماء بفعل الهواء داخلها، لكنّها قابلة للغرق في أية لحظة، وهي بذلك تُشبه كثيراً وبدقّة كبيرة القوارب المطاطيّة التي اعتلاها المهاجرون القادمون من الجنوب وحاولوا بها عبور المتوسط صوب الشمال، وكم من الآلاف الذين استقرت جثثم في قاع البحر أو طافت على سطح الماء بعد الغرق.
في ما أنجزه «آيْ وَيْوَي» بهذا الإطار صورة أبلغ بكثير من آلاف المقالات التي كُتبت والتصريحات التي قيلت في الآونة الأخيرة حول ملف الهجرة. صورة باقية، وبوجودها حول جدار ذلك القصر القديم المُشيّد في القرن السادس عشر، ولّدت تلك الصورة القناعة في أمرين: أوّلهما هي انّ «الهجرة قديمة قِدَم الزمان» وثانيهما، هو أنّ «ذلك الزهري الموحي للفرح عاجز على حمل المهاجر بعيداً صوب ذلك الفردوس الذي تخيّل أنّه سيبلغه لمجرّد الوصول إلى الشمال، إذْ يكفي ثُقب صغير بكِبر رأس إبرة لإغراق ذلك القارب والانتهاء بالمهاجر في قاع البحر، طعاماً للأسماك أو مبثورة على سواحل المتوسّط بانتظار عدسات المصوّرين، ليذرف العالم «السياسي» دموع التماسيح عليه لأيام معدودة أو يستخدمها هذا الطرف أو ذاك مادة لحملته الانتخابية…”.
نهضةٌ إلكترونيّة
وأعرب آرتورو غالانسينو عن ارتياحه عن النتائج التي حقّقها المعرض والعدد الكبير من الزوّار، وأعلن أن المعرض القادم الذي سيُفتتح في شهر مارس /آذار المقبل “سيكون لفنان الفيديو آرت العالمي «بيل فيولا» ما بين 10 آذار/مارس و 23 تموز/ يوليو ، وسيكون بعنوان «نهضةٌ إلكترونية» يربط خلاله الفنان بين فن عصر النهضة الإيطالية ومُستحدثات التطور الالكتروني. بيل فيولا عاش في فلورنسا لما يربو على عامين واغتنى من فنون عصر النهضة الإيطالية.