adnan.h@almadapaper.net
ما خلا الأيام والمناسبات الاستثنائية، لا يزيد عدد المتظاهرين المواصلين حراكهم الاحتجاجي في ساحة التحرير ببغداد كلّ يوم جمعة عن 2000 – 2500 متظاهرة ومتظاهر، وهو عدد بالكاد يملأ نصف الساحة.
هذا العدد لا يستدعي من السلطات الأمنيّة غير بضع مئات من الأفراد وبضع عشرات من الآليات، إنّ لحماية المتظاهرين وتأمين الممتلكات العامة والخاصة، أو للسيطرة على التظاهرات والحؤول دون تطورها إلى عمليات هجوم تستهدف المنطقة الخضراء، مثلاً.
الحاصل بالفعل أنّ السلطات الأمنية تزجّ بأعداد كبيرة جداً من أفرادها وآلياتها. أكثر من هذا أنها بدأت في الاسابيع الأخيرة تتخذ إجراءات مبالغاً للغاية فيها، منها إغلاق جسر الجمهورية المؤدي الى الساحة من ناحية كرادة مريم وجسر السنك القريب وكذلك جسر الاحرار البعيد. مع هذه الجسور الحيوية يجري إغلاق أهم شوارع وسط بغداد كلّيّاً أو جزئيّاً: الرشيد، الجمهورية، النضال، السعدون، الكفاح، والشارع الذي يربط ساحة الطيران بطريق محمد القاسم السريع.
مرّة أخرى، باستثناء الايام والمناسبات الاستثنائية التي يتنادى فيها نشطاء الحراك الشعبي إلى تظاهرات "مليونيّة"، فإنّ الحضور في ساحة التحرير لا يتجاوز 2500 بالمعدّل.. هؤلاء يقفون في الساحة رافعين اللافتات ومُطلقين الهتافات المتضمّنة شعارات الحراك التي اعترفت الطبقة السياسيّة الحاكمة، منذ الانطلاقة الأولى للحراك في شباط 2011، بأنها مطالب مشروعة ودستوريّة. ولأنها كذلك تعهّدت الحكومة السابقة برئاسة نوري المالكي بتحقيقها، ولم تفعل، ثم تجاوزت الحكومة الحاليّة برئاسة حيدر العبادي التعهّد اللفظي إلى الإعلان عن حِزَم ٍ إصلاحية صفّق لها مجلس النواب وقبل بها بالإجماع، بل إنه أردفها بحزمة موازية، ولم يتحقّق من حزم الحكومة حتى 10 بالمئة ، أما حزمة مجلس النواب فلم تعدُ عن كونها مزايدة سياسية.
متظاهرو التحرير يرفعون شعاراتهم ويرددون هتافاتهم بلغة عربية فصيحة ورصينة: الإصلاح السياسي وإلغاء نظام المحاصصة، مكافحة الفساد الإداري والمالي، تحسين نظام الخدمات العامة، ضمان الحريات العامة والخاصة، توفير فرص العمل للعاطلين، تعديل قانون الانتخابات وتغيير مفوضية الانتخابات كيما تكون الانتخابات، المحلية والبرلمانية، نزيهة تُسفر عن اختيار الممثلين الحقيقيين للشعب.
في المقابل، إغلاق الشوارع والجسور يُجبر عشرات الآلاف من سكان العاصمة وزائريها على المشي في الشوارع وعبور الجسور المغلقة سيراً على الأقدام. لا يُمكن الافتراض بأن هذه الأعداد الغفيرة قد قبلت بهذا الإجراء المتكرر كل يوم جمعة عن رضا وبطيب خاطر.
أمس خطر لي أن أعبر جسر السنك من جهة الصالحية .. على مدى نحو ربع ساعة أمضيته على الجسر مشياً أو توقفاً لأستمع الى أحاديث الناس، كان عدد غير قليل منهم يُعلن بصوت مسموع عن استنكاره للإجراءات الأمنية وتذمّره منها، بل في مرّات عدة سمعتُ سباباً في حق الحكومة ورئيسها ومجلس النواب ورئيسه ورئيس الجمهورية وزعماء سياسيين آخرين، وشمل بعض السباب الولايات المتحدة "اللي جابتهم" وإيران "اللي حاميتهم".
الطبقة السياسية الحاكمة تفرض، عبر الحكومة وسلطاتها الأمنية، هذه الإجراءات المشدّدة حفظاً لأمنها، لكنّها في الواقع تعمّق لدى أعداد من الناس تتجاوز كثيراً أعداد المتظاهرين الشعور بالنقمة والكراهية حيال هذه الطبقة.
ربما على المدى القريب تحفظ الطبقة السياسية أمنها بهذه الإجراءات، غير مدركة أنها على المدى البعيد تقامر بحياتها، فالثورات والانفجارات الاجتماعية غالباً ما بدأت بإجراءات أمنية مشددة وبمشاعر نقمة متصاعدة ومتّسعة النطاق.
وقد أعذَرَ مَنْ أنذَر.
جميع التعليقات 2
ناظر لطيف
كلام منطقي من ناحية أن الإجراءات الأمنية المبالغ فيها هي لحماية الحكومة والمنطقة الخضراء لكني لا أتفق معك حول أنذار الحكومة والنظام ككل بسبب الأجراءات الامنية فهي قيض من فيض والنظام في الأغلب يدرك أن لا أمد بعيد المهم ان يحافظ على نفسه في الأمد القريب لان
محمد سعيد
نحن في لا دوله فكل ما يحصل مجرد تهميش للإنسان وتقريب الي حاله لا كينونة. فالعراقي اليوم مجرد رقم لا صحاب النفوذ والجاه والمال حينما تمكنوا من سلب ليس فقط حقوق المواطنة بل اعتبر المواطن مجرد اداة لتمرير غاباتهم, كله باسم المظلومية وحقوق