الساحة السياسية العراقية تبدو مشغولة هذه الأيام بمرحلة ما بعد داعش، مبادرات مع مؤتمرات في الخارج وزيارات الى دول الجوار الصديقة والشقيقة لوضع الخطوط العامة بحسب التصريحات المعلنة لإرساء قاعدة تحظى بموافقة واسعة تحقق مبدأ الشراكة في إدارة الدولة.
هناك من وضع المرحلة المقبلة في مرتبة "رحمة الله " تشمل كل شيء وكل الأطراف باستثناء المتورطين بارتكاب جرائم إرهابية والبعثيين من جناح عزة الدوري، ومن اصطف في يوم ما مع داعش في السرّ والعلانية، أما الحديث عن تعديل الدستور، وتشريع القوانين الخاصة بإصلاح النظام السياسي، ومنها قانون انتخابات يضمن لجميع العراقيين حق اختيار ممثليهم في البرلمان ولا يصادر أصواتهم لصالح القوائم الكبيرة، الحديث بهذه القضايا مؤجل حتى إشعار آخر، مع مسائل جوهرية أخرى منها حصر السلاح بيد الدولة ينظر اليها أصحاب الحل والربط في المشهد السياسي ، بأنها بحاجة الى بلورة اتفاق يمهّد للدخول الى مرحلة ما بعد المصيبة.
تصريحات النواب المؤمنين بقدرات زعمائهم جعلت أسيادهم ابطالاً أسطوريين، يمتلكون رؤية دقيقة لمرحلة ما بعد داعش، النائب المؤمن بقدرات زعيمه وصلت لديه درجة الحماوة الى المطالبة بمنح تنظيمه السياسي وائتلافه حق قيادة الدولة من منصب رئيس مجلس الوزراء الى عامل الخدمات في مبنى القصر الجمهوري، على أن تشكل بقية القوى الأخرى كتلة معارضة في البرلمان لها حق إقالة الحكومة حين تقصر بواجباتها.
المرحلة الحالية تمثّلت مساؤها بداعش واخواتها واستشراء الفساد المالي والإداري، وارتفاع نسبة القابعين تحت خط الفقر، والتدخل الخارجي في الشأن العراقي وتضخم أموال حيتان الفساد المتورطين بسرقة المال العام، اما حسناتها فتجسدت بسؤال عن سر غياب وجوه سياسية ورسمية كانت حاضرة في المشهد ثم اختفت فجأة، بدءاً من عدنان الدليمي وزميله خلف العليان والمستشارة في الحكومة السابقة مريم الريس، وعشرات آخرين، ربما وصلوا الى قناعة بأن ترك العمل السياسي أو التفرغ لكتابة مذكراتهم تخدم المصالح الوطنية.
الساسة العراقيون من الجيل السابق أثناء كتابة مذكراتهم حرصوا على تشخيص أخطاء الآخرين، وتحميلهم مسؤولية الفشل سواء داخل الحزب الواحد أو في مجمل مسار العمل السياسي في العراق منذ عشرات السنين، وأصحاب المذكرات كانوا ملائكة أو هكذا يعتقدون، حين بالغوا في متابعة ورصد أخطاء غيرهم، وتناسوا تشخيص أسباب الأزمات حين يكون احدهم سبباً في اندلاعها وإشعالها فتجاهلوا الاعتراف بالخطأ، وعلقوه على شماعات الآخرين .
من فضائل الساسة القدماء، أنهم دوّنوا ذكرياتهم على الورق، ووفّروا للجيل الجديد فرص الاطلاع على الأوضاع السياسية في مراحل سابقة، وخرج الجيل الجديد بحصيلة أن الإصرار على الغاء الآخر سمة بارزة في الحياة السياسية.
يقال أن كتب المذكرات هي الأكثر طلباً ورواجاً بين القرّاء، وفي حال صدور كتاب يستشرف مرحلة ما بعد المصيبة ستزول كل ذنوبه، ويعود الى المشهد بوجه ابيض في اليوم الأسود، وسيكون بلا أدنى شك قائد مرحلة ما بعد المصيبة.
مرحلة ما بعد المصيبة
[post-views]
نشر في: 24 فبراير, 2017: 09:01 م