adnan.h@almadapaper.net
ما كان يتعيّن على القنوات التلفزيونية أن تنتظر صدور الأوامر إليها من قيادة العمليات المشتركة، لتمتنع عن النقل الحيّ المباشر لمعارك تحرير الجانب الأيمن (الغربي) لمدينة الموصل ... كان لزاماً أن يكون الامتناع ذاتياً.
الإعلام مهنة .. هو مثل كل مهنة أخرى له قواعد عمل وتحكمه أخلاقيات، بل إنّ قواعد العمل والاخلاقيات في مهنة الإعلام واجبة المراعاة على نحو دقيق للغاية، فالخطأ والزلل في العمل الإعلامي لهما تبعات تفوق، بما لا يُقاس، تبعات الخطأ والزلل في سائر المهن كالنجارة والحدادة والخياطة والطب، مثلاً، بل كثيراً ما تسبّبت أخطاء إعلامية في كوارث ومحن جماعية.
من قواعد العمل الإعلامي وأخلاقياته عدم زجّ المراسلين والمصوِّرين وسواهم في الخطوط الأمامية للحروب وأحداث العنف. الصحافي ليس مقاتلاً .. وظيفة الصحافي نقل المعلومات، ومن أجل هذا عليه أن يحافظ على حياته ويجنّبها المخاطر ليواصل تأدية هذه المهمة.
ومن أخلاقيات مهنة الإعلام ألّا يكون الإعلامي طرفاً في أيّ صراع، وبخاصة الصراع المسلّح، وألّا يقدّم مساعدة من أيّ نوع وبأيّ شكل لأيٍّ من أطراف الصراع.. وفضلاً عن أنّ وجود الصحافي في ساحة القتال يُهدِّد حياته على نحو مباشر، فإن النقل المباشر لمجريات الحرب في الساحة التي يعمل فيها سيقدّم خدمة للطرف الآخر في الصراع.
قيادة العمليات المشتركة كانت على حقّ في ما اتّخذته من إجراءات في حقّ القنوات التي زجّت بمراسليها ومصوّريها في ساحة المعارك الأمامية في أيمن الموصل .. داعش منظمىة إرهابية كبرى، توفّرت لها إمكانات تقنية لا تتوفر إلّا للدول، والنقل المباشر للمعارك يجعل القوات العراقية المقاتلة مكشوفة لداعش الذي يمكنه في غضون دقائق أن يُوجّه قذائف مدفعيته أو أن يدفع بانتحاريّيه إلى مواقع القوات العراقية.
هنا،في العراق، لدينا مشكلة حقيقية على صعيد إدراك القواعد المهنية والأخلاقيات الخاصة بمهنة الإعلام .. أكثر المؤسسات الإعلامية والعاملين فيها ليسوا على دراية أو اكتراث بهذه القواعد والأخلاقيات التي تُنتهك على مدار الساعة. هذا لا يختصّ بالقنوات التلفزيونية وحدها، بل ينطبق على الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية أيضاً، فضلاً عن فضاء النشر الإلكتروني.
غير مرّة كتبتُ في هذا العمود وتحدثتُ في غير ندوة ومؤتمر، عمّا أراه حاجة ماسّة لتشريع قانون ينظّم مهنة الإعلام لدينا .. قانون لا يُقيّد حرية العمل الإعلامي بأيّ شكل وإنما ينظّم ممارسة هذه الحرية، وفي إطار هذا التنظيم يُلزَم بمراعاة قواعد العمل في مهنة الإعلام وأخلاقياتها... هو قانون على غرار قانون الأحزاب الذي ينظّم الحياة الحزبية ولا يقيّد حرية العمل الحزبي، وعلى غرار قانون النقابات والاتحادات الذي لم يزل مُهمَلاً في أدراج مجلس النواب.
في مرحلة ما بعد داعش وما بعد تحرير الموصل، سنكون في حاجة أكبر إلى قانون كهذا، لأننا سنكون في حاجة أمسّ إلى السلم الأهلي الذي يلزمه إعلام مهني.
قانون تنظيم الإعلام ليس بدعة.. ثمة دول عريقة في الحريات وممارسة الديمقراطية شرّعت لنفسها قوانين للإعلام، وأوّلها فرنسا.