adnan.h@almadapaper.net
مؤكد أنّ أول زيارة لوزير الخارجية السعودي إلى بغداد في العهد العراقي الجديد تأخّرت كثيراً عن موعدها المُفترض،الضروري .. كان يلزم أن تحصل الزيارة منذ ثلاث عشرة سنة مع تشكيل حكومة مجلس الحكم، لكنها، مع ذلك، جاءت في ظرف مناسب تماماً
لا يحتمل تأجيلها.
السعودية كانت من الدول الرئيسة المتضررة من سياسات نظام صدام حسين، وهي كان لها دور كبير في تقديم الدعم لقوى المعارضة 4بمختلف فصائلها. المنطق كان في جانب أن تقوم علاقة وثيقة بين السعودية ونظام ما بعد صدام. لابدّ أنّ كثيراً من سوء الفهم والتفاهم قد حصل في الرياض وبغداد لينحِّي المنطق جانباً ويفرض معادلة أخرى لعلاقة ظلّت خارج سياق المصالح الوطنية لكلتا
الدولتين.
شخصياً أعرف أن وزير خارجيتنا السابق، هوشيار زيباري، بذل جهوداً مضنية لتطبيع علاقات النظام الجديد مع السعودية وسائر الدول العربية التي اتخذت في البداية موقفاً متحفّظاً حيال النظام الجديد. كان يُكرّر في زياراته إلى عواصم هذه الدول وفي لقاءاته مع زعمائها ونظرائه رؤساء الدبلوماسية فيها، أن من الخطأ ترك العراق الجديد، المنبثق وسط رماد الحروب الداخلية والخارجية والدكتاتورية، للنفوذين الإيراني والتركي، فيما يُمكن معادلة هذين النفوذين وإضعاف تأثيرهما بوجود عربي كثيف في بغداد. بشقّ الأنفس أقنع زيباري العرب بهذا تدريجياً على مدى سنوات.
على أية حال قد كان ما كان، والمهم الآن ما سيكون... زيارة الوزير عادل الجبير إلى بغداد أول من أمس خطوة كبيرة ومهمة تُحسب للطرفين العراقي والسعودي سواء بسواء، لكنّ الأكبر والأهم منها أن تكون بداية لانطلاقة في علاقات البلدين، وهذا يتطلب ليس فقط قدراً كبيراً من النوايا الطيبة في العاصمتين، وإنما أيضاً عمل دؤوب لبناء الثقة وتنمية العلاقات وتذليل العقبات وتطويق أية مشكلات يُحتمل نشوؤها لاحقاً.
بالنسبة لنا، نحن العراقيين، تمسّ حاجتنا الآن ودائماً إلى أن نكون في أفضل العلاقات مع جيراننا جميعاً، بل مع العالم كله. حربنا مع الإرهاب لم تنته بعد، وهي لن تنتهي قبل مرور سنوات عديدة من الآن. وبعد القضاء على داعش سيتعيّن علينا التحسّب لإعادة إنتاج تنظيمات إرهابية جديدة.. وبعد داعش سيترتّب علينا إعادة إعمار ما دمّره داعش والحرب معه، وهو كثير وكبير للغاية. وبالتوازي سيكون علينا أن نشرع بعملية مصالحة وطنية (أو تاريخية) وتأسيس لسلم أهلي وطيد. لكل دولة من دول الجوار سيكون دور في هذه العملية، وللجيران الكبار على وجه الخصوص، السعودية وإيران وتركيا، أدوار مضاعفة وأساسية وحاسمة.
الجبهة الإعلامية لها أهمية في هذا الخصوص.. الإعلام - إعلامنا وإعلام الجيران- يمكنه أن يكون زارعاً لحقول الورد على طول الحدود بين بلداننا، ويمكنه أيضاً أن يكون مشعل حرائق قد لا تُبقي ولا تذر. ما حصل في عهد النظام السابق لم يزل ماثلاً للعيان.
إلى هذا، التنويه واجب والتنبيه لازم.