لاتزال البيانات غير دقيقة حول استثمارات القطاع الخاص العراقي في الخارج، بل حتى الحديث عن هروب رؤوس الاموال العراقية للاستثمار في دول الجوار قد لا يتعدى كونه تشخيصا منقوصا يحتاج الى معطيات علمية وتقديرات كمية، والآراء في هذا الشأن متباينة، ففي وقت تشد
لاتزال البيانات غير دقيقة حول استثمارات القطاع الخاص العراقي في الخارج، بل حتى الحديث عن هروب رؤوس الاموال العراقية للاستثمار في دول الجوار قد لا يتعدى كونه تشخيصا منقوصا يحتاج الى معطيات علمية وتقديرات كمية، والآراء في هذا الشأن متباينة، ففي وقت تشدد هيئة الاستثمار الوطنية على ان الاتفاقيات والقوانين والانظمة العراقية هي بين الافضل في المنطقة، هناك من يلفت الانتباه الى وجود مشكلة في الجهاز البيروقراطي والإداري الذي لا يتفاعل بالسرعة المطلوبة مع متطلبات الاستثمار.
اللجنة المالية البرلمانية من جانبها تؤكد في تصريحات متكررة أن حجم المبالغ العراقية المستثمرة في دول الجوار تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، عازية اسباب ذلك الى البيئة الاستثمارية السيئة والوضع الأمني المتردي المتمثل بالقتل والسطو وانتشار مظاهر السلاح، فيما يرى خبير اقتصادي ان المشكلة في القطاع الخاص ذاته كونه حتى الآن يبحث عن عوائد عالية ومخاطر أقل، وقسم كبير منه يرغب في أن يحوّل أمواله الى الخارج لإيجاد موطئ قدم له ولعائلته هناك ومن ثم الهجرة طلباً للاستقرار.
ماجدة التميمي عضو اللجنة المالية النيابية تحدثت لـ(المدى) عن حجم المبالغ العراقية المستثمرة في دول الجوار مقدرة إياها بعشرات المليارات من الدولارات، قائلة إن "تلك المبالغ تم استثمارها في كل من الأردن الذي يتسيد تلك الاستثمارات بالدرجة الاولى وإيران وتركيا والإمارات ومصر" ، وتضيف أن "البيئة الاستثمارية السيئة والوضع الأمني المتردي المتمثل بالقتل والسطو وانتشار المظاهر المسلحة هي من الأسباب الرئيسة لهروب رؤوس الأموال العراقية الى خارج البلاد، في وقت كان يجب ان يكون هناك مسار واضح لتطوير معرفتنا في هذا المجال"، مبدية استغرابها من كوننا ومنذ عام 2004 وحتى الآن ما زلنا نردد هذه المقولة.
وبيّنت التميمي أن "المبالغ المستثمرة خارج العراق تقدر بمليارات الدولارات، ما يجعل آثارها على الاقتصاد العراقي بالمجمل سلبية"، مؤكدة أن "الخمول العمراني وعدم الارتقاء بالبنى التحتية من مدارس ومستشفيات ومؤسسات وعدم وجود رؤى اقتصادية واضحة، كله شجع تفاقم البطالة وهروب رؤوس الأموال اتّقاء الوقوع في فخ الابتزاز والاختطاف"، واضافت أن "خلق تنمية اقتصادية والخروج من قمقم الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط بنسبة تزيد على 90% بات أمراً حتمياً بعد انخفاض اسعار النفط".
الخبير المالي أحمد بريهي يؤكد من جانبه في حديث لـ(المدى)، "أن الاستثمار في الخارج ظاهرة معروفة في كل العالم، كما لا توجد بيانات دقيقة حول استثمارات القطاع الخاص العراقي في الخارج، وحتى الحديث عن هروب رؤوس الاموال العراقية للخارج هو تشخيص غير كافٍ، لأن السياسة الاقتصادية تحتاج الى تقديرات كميّة لمعرفة حجم هذه الاستثمارات"، و"لا نعلم - والكلام لبريهي- "التدقيقات الاستثمارية من القطاع الخاص العراقي الى الخارج سنوياً"، مضيفاً "حتى في حال توفرت هكذا بيانات، فمن الممكن اقتراح سياسات للاحتفاظ بهؤلاء المستثمرين وتشجيعهم لإبقاء اموالهم داخل العراق"، مقرّاً بوجود هذه الارقام، لكن لم يتسن له تأكيدها كونها ارقاماً "مبالغاً بها" حسب وصفه. ويواصل بريهي الكلام قائلا" اننا نحتاج اليوم الى ادراك حقيقي لمفهوم البيئة غير الملائمة، ولماذا القطاع الخاص لا يستثمر في الصناعة، ولم يلق اهتماماً كافياً"، ملقياً باللائمة على الاتحادات والنقابات العمالية والصناعية واصحاب الاختصاص والقائمين على الحكومة، "لعدم جديتهم مع اي مسألة تخص الاقتصاد العراقي والمصلحة العامة".
وتابع الخبير الاقتصادي القول بان "المشكلة ليست في القوانين كما يقول البعض، بل في القطاع الخاص ذاته، كونه لغاية الآن يبحث عن عوائد عالية ومخاطر أقل، وقسم كبير منه يرغب في أن يحول أمواله للخارج، لإيجاد موطئ قدم له ولعائلته هناك ومن ثم الهجرة طلباً للاستقرار.
رئيس هيئة الاستثمار الوطنية سامي الاعرجي يشدّد على انه يختلف مع الرأي الذي يقول ان البيئة الاستثمارية في العراق غير آمنة، ولا توجد تشريعات لحماية المستثمر ، ويرى ان البيئة التشريعية جيدة جدا، مشيرا الى انه " كتعديلات قانونية وأنظمة وتعليمات كلها موجودة كما هو مطلوب وخاصة بعد التعديل الثاني لقانون الاستثمار ومتطلبات النافذة الواحدة".
ويتابع الاعرجي قائلا ان "المشكلة لدينا في الجهاز البيروقراطي والإداري الذي لا يتفاعل إيجابا بالسرعة المطلوبة مع متطلبات الاستثمار، وليس كما يعتقد البعض انها في البيئة الاستثمارية"، مشيرا الى وجود صراع بين مدرستين، الاولى تريد التجديد والنهوض بالبلد لتقديم حياة افضل للشعب العراقي، والثانية التي تتبنى الاقتصاد المركزي الموجه سواء كان لشركات مملوكة للدولة او للعملية الادارية اليومية في الوزارات. ويؤكد الاعرجي ان الاتفاقيات والقوانين والانظمة في العراق هي بين الافضل في المنطقة "وهذا باعتراف منظمات دولية كثيرة، كما ان البلد واعد وكبير واقتصادياته جيدة، كما ان هناك خطة خمسية تأخذ بنظر الاعتبار اقتصادا سلميا متطورا فيه تفعيل للقطاعات الاقتصادية المختلفة وفيه اصلاح اقتصاد، وفيه ايضا تركيز على الاستثمارات العراقية والاجنبية، وهو امر نعمل عليه منذ مدة، لذلك فان اعادة تفعيل القطاعات الاخرى ستكون من ضمن أولويات عملنا، كما ان الكثير من المستثمرين الآن يضعون خططا لما بعد عمليات التحرير".
وفي موضوع ذي صلة، يتحدث أحدهم عن معاناة المستثمرين العراقيين ، وهو من المستثمرين المهمين في مجال السكن حيث تزخر دولة الامارات وتركيا وغيرهما باستثماراته، مفضّلا عدم الكشف عن اسمه، انه منذ عودته للعراق عام 2009، سعى بكل جهده لإنشاء مجمع سكني ضخم جدا يتكون من 300 الف وحدة سكنية بتقنيات وتكنولوجيا حديثة من حيث البناء والطاقة وإنشاء الشوارع والمرافق الصحة والترفيهية والتجارية المهمة في احدى المحافظات، لكنه اصطدم بمحاولات لابتزازه من قبل مسؤولين نافذين وعوائق مصرفية ادت الى مشاكل بينه وبين المستفيدين من هذا المشروع .
فيما يرى اقتصاديون عراقيون أنه في حال توفرت بيانات دقيقة بحجم المبالغ المستثمرة خارج البلد، سيكون من الممكن اقتراح سياسات للاحتفاظ بهؤلاء المستثمرين وتشجيعهم لإبقاء اموالهم في العراق، وفي وقت يلفت خبراء في القانون الى أن سيطرة المافيات السياسية وضبابية القرارات هي عوامل ساعدت في اضطراب وتقهقر الاتفاقات والمشاورات وضياع نواتج الندوات والدراسات المعدّة في هذا الشأن ، ويعتبرون ايضا ان القوانين التي تحارب الفساد هي الاخرى ليست بالمستوى المطلوب، خاصة ان المادة 340 من قانون العقوبات العراقي التي يحال وفقها معظم الموظفين المتهمين بالفساد للقضاء لا تفي بالغرض، وبالتالي فان العقبة الاهم التي تقف حائلاً أمام محاربة الفساد كالرشوة والابتزاز وهدر المال العام باتت تكمن في النصوص القانونية الضعيفة.