اعتاد الوسطان الكروي والجماهيري على عمل اتحاد كرة القدم المضطرِب والبدائي، ولا يتورّع أي عضو فيه من التنصّل عن مسؤوليته ويهرب عبر أقرب نافذة من بيت الاتحاد حال تعرّضه إلى الخطر وسط صمت أغلب اعضاء الجمعية العمومية الذين يكافئونه بمعاودة التصويت له وتأييده ومناصرته.
الوقائع كثيرة منذ أول أزمة عصفت بأسرة الكرة العراقية التي شهدها نادي الصيد في حزيران عام2004 عقب حسم (فريق) حسين سعيد باكورة الانتخابات مابعد التغيير في نظام ومؤسسات العراق، وتصاعدت يومها حدّة المعارضة التي قادها الراحل عبدكاظم برفقة رعد حمودي وأحمد راضي وعبدالسلام الكعود ومنعم جابر وباسم جمال ومحمد خلف وسمير كاظم وآلت إلى انقسامات وتحالفات وإرضاءات وإغراءات قتلت مشروع الاصلاح الوطني وأحيَت نزعة الانبطاح أمام الضغوط والتهديد في الداخل وركوب موجة التبعية لإملاءات قادة القرار العربي والقاري دون موقف مستقلّ يحمي مصالح اللعبة، ومع ذلك يواصل اعضاء الجمعية العمومية السكينة في يوم المؤتمر الانتخابي والزمجرة بين انفسهم حتى انعقاد المؤتمر اللاحق.
أمام هذه الصورة الغارقة في التشاؤم بحسب حقائق 13 عاماً منذ (حِلْف الصيد) لم يترك لنا اتحاد الكرة عبر ثلاث دورات انتخابية مساحة من التفاؤل بإمكانية انتقاله من مربع الهواية إلى دائرة واسعة لمنهج الاحتراف ومصارحة العمومية بشفافية كبيرة عن أدق تفاصيل القضايا الكبيرة والصغيرة، بدليل أن رئيس الاتحاد عبدالخالق مسعود أعترف بجهله أية معلومة سابقة عن قضية تراخيص الأندية إلا قبل أربعة أشهر فقط، محمّلاً الرئيس السابق ناجح حمود تبعات ما تعانيه الأندية اليوم من حرج شديد لضيق وقت تطبيق شروط التراخيص، وربما يؤول مصيرها ما بعد 15 حزيران المقبل الى الدرجة الأدنى في النظام المحلي للموسم 2017-2018.
لا يمكن أن نختزل جهود العاملين في اتحاد الكرة منذ عام 2003 حتى الآن بهذه الصورة، لكننا نتفهم دواعي تبادل العتب وليس الاتهام بين مسعود وحمود، مثلما نعرف أن الحال الجديد الذي يعيشه الرئيس الأسبق حسين سعيد في دفء وزارة الشباب والرياضة وانخراطه ضمن حملات الوزير الخارجية لاسترداد حقوق اللعبة في قضية رفع الحظر وغيره يمنعه من زجّ نفسه في أية مسألة تثير الجدل في أروقة الاتحاد وإلا فإنه مطالب بكشف حقائق دامغة كونه شريكاً ومسؤولاً أوّل عن ملف التراخيص سواء تم إشعار الاتحاد عام 2006 أو عام 2010، وبدلاً من الإشارة الى روحية العمل الجمعي في الاتحاد ولا شك في ذلك، كان من المنطق أن تُفعّل فقرة التراخيص في النظام الداخلي وهي مسؤولية الهيئة العامة التي أكدت الأزمة هذه وقبلها الكثير أنها " لا تقرأ ولا تكتب" وتساير كسل الاتحاد ولا يهمُّها سوى تكريس الوجود في مقاعدها.
لا نريد أن نتشاطر في سرد النصائح وعرض مقتبسات من نظام تراخيص دول مجاورة بدلاً من نظام عراقي صِرف يُدلل على أهلية من استعان بهم الاتحاد أو من جَدّد الثقة بخبراتهم لمتابعة وصياغة هكذا انظمة ستراتيجية، بل نطالب البعض بعدم تحريف الحقيقة، إذ لا صحة لإعفاء الاتحاد الآسيوي العراق من تطبيق نظام التراخيص عام 2006 بذريعة عدم شموله بموجبات إطلاقه بالتزامن مع تحديث بطولة دوري أبطال آسيا ، فالجميع يعلم أن البطولة تعرّضت عام 2003 إلى متغيّرات جوهرية في نظام مسابقتها بعد قرار دمج (الكاس والسوبر) وعلى فترتين (2003-2008) و(2009- ولم يزل) وبالتالي كنا نتمنى أن لا يهرب البعض من الواقع، نعم ظروف الاقتتال الطائفي أثّرت كثيراً في زعزعة كل مفاصل الحياة في العراق ومنها الرياضة، لكن البلد شهد استقراراً أمنياً واقتصادياً منذ عام 2008 وأمتلك ميزانيات كبيرة تصاعدت كما يأتي ( 2008 – 70 مليار دينار، 2009 - 74 مليار دولار، 2010 - 75 مليار دولار ، 2011 - 84 مليار دولار، 2012 - 101 مليار دولار، وقبل نهاية عام 2013 وصلت 118 مليار دينار) وليس معقولاً أن يبلغ مجموع الميزانيات الانفجارية 522 مليار دولار لست سنوات ولم نستطع بناء ملاعب عالمية لـ14 نادياً في بغداد والمحافظات نصفها جماهيرية وعريقة تستحق أن تطبّق نظام التراخيص من دون معوّقات.
نعم العلّة ليست في وجود ملاعب مستقلة فقط ، بل في أحوال الأندية وهيكلياتها والشروط اللازمة لاندماجها مع نظام الاتحاد الآسيوي كي تستطيع المشاركة في مسابقاته واستثمار المقعد ونصف المقعد في دوري الابطال والمقعدين في الكأس، ولابد أن يسارع الاتحاد لتهيئة كل ما من شأنه تصحيح أخطاء الماضي القريب، وينتدب شخصيات ضليعة في العمل الاحترافي داخل اللجان، ويعمد إلى تغيير من أثبتت السنين عدم جدوى بقائه بفعل التقادم بالسن وأهماله وتقصيره، ومحاولة تجديد الدماء والثقة بهم، وإلا فالاتحاد نفسه سيهبط رسمياً إلى درجة الهواة.
عمومية "لا تقرأ ولا تكتب"
[post-views]
نشر في: 4 مارس, 2017: 04:17 م