الحكام العرب يفضلون قراءة خطاباتهم المكتوبة على الورق اكثر من مرة قبل تسجيلها وبثها مباشرة عبر وسائل الاعلام الرسمية . في اليوم التالي يكون التركيز على اصداء الخطاب في الساحتين الاقليمية والدولية ، فيما تكون الرعية منشغلة بهمومها اليومية ، شعوب المنطقة العربية لا تسمع ما يقوله الحكام اصحاب الفخامة والجلالة ، فهناك مسافة طويلة بين الحاكم وشعبه ، تقصر في اوقات الازمات بدعوة المواليد الى خدمة الاحتياط العسكرية ، او في تبني خطة تقشفية لمواجة مشكلة اقتصادية .
خطاب صاحب السيادة او الجلالة تتكرر فيه مفردة مؤامرة اكثر من مرة ، والمؤامرات اما داخلية او خارجية ، تستهدف السلطة ، لابد من مواجهتها بتحقيق الالتفاف حول القيادة الحكيمة بأناشيد واهازيج وطنية وشد الحزم على البطون لحين القضاء على المتآمرين ومن لف لفهم من العملاء .
الجيل القديم من العراقيين ، يتذكر نوعا من القماش يدعى خام الشام ، ارتبط استخدامه باندلاع الحروب ، وبروز ازمات اقتصادية ، تتعلق بقلة الموارد المالية ، وعجز الدولة عن توفير المستلزمات الاساسية من الخام والطعام قبل عشرات السنين ، فكانت الحكومات وقتذاك، تلجأ الى اعتماد جملة اجراءات لضمان الامن الغذائي ، من ابرزها سياسة التقشف الحكومي ، بحيث تشمل الجميع بلا استثناء من كبار المسؤولين الى بقية عباد الله الآخرين القابعين تحت خط الفقر ، كل فرد مهما كان منصبه وموقعه يحصل على حصته من المواد الغذائية ، وقماش خام الشام ليفصّل ملابس داخلية لكلا الجنسين ، وانطلاقا من الشعور الوطني لدى الاوساط الشعبية وللتعبير عن تضامنها مع محنة الحكومة المتمثلة بقلة مواردها المالية، كان العراقيون يجرون تحسينات على خام الشام بصبغه بالوان مختلفة ليكون ملائما لتفصيله دشاديش للنساء تلائم جميع الاعمار .
بتعاون الشعب مع الحكومة اندحرت الازمات ،اقتصر استخدام خام الشام علامة الجمل على الملابس التحتية ، لانه اثبت كفاءة عالية ، اشادت بها الاجيال ، فوضعت ثقتها بهذا النوع من الخام فتفوق على الانواع الاخرى بالتجربة والبرهان فضلا عن عمره الطويل ، وتعدد استخداماته فهو يمكن ان يتحول الى بيجاما للنوم ، ويسهل لصاحبه ممارسة اي عمل ، خصوصا اذا كانت "التجة" غليظة قوية ، تمنع حدوث مفاجآت محتملة قد تؤدي الى مواقف محرجة .
من فوائد خام الشام انه الغى الفوارق الطبقية ، ووحد المشاعر الشعبية الوطنية تجاه الازمات ، ومنح للحكومة ثقة شرائح اجتماعية واسعة ، خصوصا ان اجراءاتها كانت عادلة وتشمل الجميع ولم تستخدم الكيل بمكيالين لتطبيق التقشف ، الوزير والسفير والمدير العام والعامل والفلاح والكاسب والعاطل عن العمل ارتدوا خام الشام.
العودة الى استخدام خام الشام باتت تلوح بالافق ، الاقتصاد العراقي المعتمد على النفط في الحصول على موارده المالية يعاني اليوم مشكلة تتطلب اعتماد اجراءات التقشف ، وعلى قاعدة "خام الشام يوحدنا " لابد من تقليص الانفاق الحكومي ، بمنع شراء الاثاث لمكاتب الوزراء ووكلائهم والمديرين العامين ، وخصم خمسين بالمئة من رواتبهم ، على ان يشمل ذلك المسؤولين السابقين والحاليين ، لانهم خلال السنوات الماضية عاشوا في بحبوحة شيدوا منازلهم في الاحياء الراقية وارصدتهم في الخارج تجهلها هيئة النزاهة . بالعودة الى خام الشام تتحقق العدالة الاجتماعية باستخدام القماش علامة البعير .
"خام الشام" يوحدنا
[post-views]
نشر في: 6 مارس, 2017: 09:01 م