أمس، أرسل لي أحدهم شريطاً مصوراً لإمرأة، تظهر بكامل لباسها الاسلامي، وبدا واضحا، ومن خلال لهجتها، انها من سكنة سورية او لبنان، ثم أنها راحت تتحدث بتهكم عن واقع وقيمة المرأة، في البلاد العربية-الاسلامية، وراحت تستعرض حياتها في المملكة العربية السعودية، والضغوط التي تعرضت لها هناك، الأمر الذي جعل من حياتها قاسية بشعة، في ظل نظام ديني ظالم، وسلطة رجولية قبيحة، وفكر صحراوي سلبها كامل حياتها في الميراث والقانون والعمل والبيت ... الخ.
وقبل نهاية الشريط تقوم المرأة بخلع حجابها ونقابها وعباءتها، لتلقي بها في سلة المهلملات، في فعل يُفهم منه على أنه التخلص من الدين، الذي كانت تعتنقه، لتعلن انها انتقلت الى دين المسيحية، لأنها وجدت في الدين الجديد هذا، بحسب ما تقول، ما يسمح لها بممارسة حقها في الحياة، وحرية الفكر والملبس والمساواة مع الرجل.
لا نريد ان ندخل في قضية المشتركات التي تجمع الاديان الابراهيمية الثلاثة، فهي قضية اخرى، لكنَّنا سنتحدث عن انتقال السلطات في الدول المسيحية من الكنيسة الى المباني الحكومية الرسمية، من الهرطقة والخرافة الى العقل والحكمة، القضية التي جعلت من الحياة ممكنة هناك، في ظل الأنظمة التي حسمت امرها في اعتماد القوانين المدنية، بعيداً عن تدخل الكنيسة.
لا سبيل لنا هنا، لمناقشة قضية استعمال الدين في الحياة العراقية ، ذلك لأن ثائرة الجميع ستقف ضدنا، مع يقيننا بان من اساء الى الدين هم الحكام الاسلاميون انفسهم، ولسنا نحن. لكن اللافت في الأمر انَّ معظم التيارات الاسلامية الحاكمة، بشقيها الشيعي والسني، والتي تجاذبت أطراف السلطة بينها منذ عقد ونصف، أدركت فشلها اليوم، وأصبحت تقر بأنها السبب الوحيد في تخريب البلاد ومقاتل الناس وتراجع الاقتصاد، وهي من تسبب بضياع المال والأرض، وهي على وشك التصرح، معلنة: بأن لا قيامة للدولة الدينية في العراق، وأن الحل إنما يكمن في الدولة المدنية، ولأن منظومة النفاق قائمة في النفوس لن يقر بذلك، ولن يجرؤ أحد في سلطتها التنفيذية أوالتشريعية على القول بذلك.
شعبنا المسكين، الذي شكر الله على نعمته وبركاته التي حلت عليه، من خلال سلطة ساسته المتدينين، أصحاب الوجوه المضيئة والسير الحسنة، الذين وهبتهم السماء له، الذين جاءت بهم الاحزاب الاسلامية، ما زال يرتعد خوفا من مساءلة هؤلاء، السؤال التقليدي هذا: ترى، لماذا تمسكتم بفكرة الدولة الدينية طوال عقد ونصف، إذا كنتم قد توصلتم الى النتيجة التي تقول بعدم امكانية اقامتها؟ شعبنا المسكين راح يساوى بينهم وبين الله، فهو يرتعد خوفاً بهم من الله، لأنَّ هؤلاء اوصلوه الى النقطة القاتلة في حياته، لقد صدّق بأنهم رسل السماء اليه، ولولاهم لما تمكّن من تأدية مناسكه في الصلاة والصيام والحج والعمرة وزيارة العتبات. لقد صوّر الحكام الاسلاميون لهؤلاء بأنَّ الحياة والموت والجنة والنار ليست بيد الخالق الكبير إنما بأيدهم.
هكذا، مثلما كان يفعل رجال الكنيسة في أوروبا بالناس، قبل أكثر من مئة عام، حين توصل المواطن هناك الى الحقيقة الدامغة التي قالت باستحالة قيام الدولة الدينية، وأن ما يفعله القساوسة والكهان والرهبان هو الخداع عينه، والسرقة باسم المسيح والسيدة العذراء، لن نفاجأ بوصول الكثير من ابناء شعبنا وديننا الى ما توصلت اليه السيدة، التي تخلت عن حجابها ودينها واعتنقت المسيحية، وما محاولات قيادات الحزب الاسلامي وحزب الدعوة والمجلس والتيار وسواهم في إعتماد الدولة المدنية والتخلي عن الدولة الدينية، إلا إقرارهم الخفي بخسارتهم، لكنهم غير مستعدين للتخلي عن فكرة خلط الدين بالسياسة، ثانية وثالثة وبطرق مختلفة، وسنرى أنهم سيعتمدون آلية الخداع نفسها في استمالة ناخبهم، الذي ما زال يصدق بان الحياة والموت والجنة والنار من صنع هؤلاء!
سياسيو الاسلام: مَنْ يخلع أردية مَنْ؟
[post-views]
نشر في: 11 مارس, 2017: 09:01 م