كان كانون الأول/ ديسمبر 2011، وكنت ما أزال أكافح كما هي الحال دائماً، في كتابة روايتي "بغداد مارلبورو"، مع نهايتها. بداية ونهاية رواية، يأخذان مني دائماً الوقت الأكثر. لم أعرف في حينه، من هو الشخص، الذي تخاطبه الرواية منذ البداية. لقد وضعت في رأسي ببساطة، بأن القصة التي تدور عن جنود عراقيين وأميركان، عليها أن تُعنون إلى شخص ما، شخص مألوف، يجلس أمام الراوي ويستمع إليه وهو يروي له القصة. لم يغادرني الشعور، بأنني أعرف هذا الشخص، التقيت به في مكان ما، أو لابد وأنني سمعت به.في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2011، في يوم واحد قبل عيد ميلاد الرابع والعشرين لجيلسيا التي كانت تُسمّى في حينه برادلي، بدأ ما يصنف في لغة القانون، الاستماع في المحكمة العسكرية في فورت ميد والي كان عليه التوضيح، إذا كانت الأدلة ضد المتهم بخيانة الوطن والمتعاون والعاصي عن تأدية الاوامر تكفي لقيام محكمة ضده. عندما سمعت بذلك، تذكرت مباشرة مقولة الكاتب الايطالي إيتالو كالفينو، التي استشهدت بها كمدخل للرواية "نحن في الجحيم، وكل ما نستطيع أن نفعله، هو التضامن مع أولئك، الذين لا يجعلونه أسوأ"، وعرفت، بأن الشخص المعنون في الرواية هو برادلي مانينغ.كل واحد منا عنده واجبه في الجحيم. مانينغ كان قد اكتشف المرعب في كومبيوتر وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الأميركية، كل الوثائق التي تؤرخ بالتفصيل لجرائم القوات الأميركية والحكومة، أعطاها إلى ويكيليكس. وواجبي أنا؟ واجبي هو روايتي – راويتي عليه أن يروي كل شيء لمانينغ، كل ما حدث لنا مسبقاً وقبل احتلال بغداد من قبل القوات الأميركية، وأيضاً ذلك، الذي سيحدث غداً أو بالضبط الآن، خلال كتابة ذلك. المحكمة ضد مانينغ جرت عام 2013 في فورت ميد، في منطقة عسكرية نشأت منذ عام 1956، والتي هي من ضمن اشياء كثيرة، مكان وكالة الأمن القومي أن أس أي. كما نعرف، حُكم على مانينغ بـ 35 عاماً بالسجن وتحت شروط محددة في السجن. أليست مفارقة للتاريخ، بأن محاكمته جرت في ولاية ماريلاند بالذات، الولاية الأولى التي أصدرت مرسوم التسامح في الولايات المتحدة الأميركية، والمعروف باسم قانون ميريلاند للتسامح لعام 1649؟ "بغداد مارلبورو، رواية من أجل برادلي مانينغ صدرت في بيروت عام 2012 و2014 في ترجمتها الالمانية، وحصلت 2014 في نفس عام صدورها على جائزة برونو كرايسكي العالمية للكتاب، كما وصلت للقائمة النهائية لجائزة يان ميشاليسكي عام 2015 .
في ديسمبر/ كانون الأول 2014 حاولت دخول فورت ميد بذريعة كتابة تحقيق صحفي عن مقابر الجنود الأسرى الألمان من الحرب العالمية الثانية هناك. حتّى المواطنين الأميركان أنفسهم لا يسمح لهم بدخول المنطقة بدون كفالة من مواطن يعيش في الحصن العسكري. بوقت قصير بعد ذلك التقيت في نيويورك بالسيدة آنه كيليمان، إمرأة عاشت الهولوكوست بعد أن تم انقاذها في عملية نقل الاطفال المشهورة وإخراجهم من فيينا التي جرت عام 1939، السيدة كيليمان، كانت بدأت للتو بحملة تابعة لمنظمة حقوق الانسان أمنستي انترنشينال ضد شروط السجن غير الانسانية لمانينغ. آنه طلبت مني، كتابة رسائل لبرادلي على عنوان السجن. ليست كل الرسائل تصل، ليست كلها تخرج، أوضحت لي، لكن بالضبط لهذا السبب على المرء أن يحاول.منذ صدور الحكم مرت أربع سنوات. من برادلي أصبحت جيلسيا. في يناير/ كانون الثاني 2017 صدر قرار الرحمة/ العفو والذي سيخرج مانينغ بموجبه من السجن في مايس/ آيار المقبل.لا في العراق ولا في الولايات المتحدة الأميركية تحسّن الوضع، رغم ذلك، رغم كل الجرائم في العالم، رغم الظلم واللاعدالة والعقوبات، سيكون هناك دائماً بشر، لا يسلمون أنفسهم للخوف، بشر، يذهبون أبعد في فعلهم من جعل الجحيم ليس بشكل أسوأ: أنهم يغامرون بحياتهم.العمود كتبه الكاتب أصلاً بالألمانية ونشرته هذا الأسبوع مجلة أمنستي انترنشنال.
أكثر من رواية لجيلسيا مانينغ
[post-views]
نشر في: 14 مارس, 2017: 09:01 م