TOP

جريدة المدى > عام > قصيدة لآنّا أخماتوفا بترجمتين

قصيدة لآنّا أخماتوفا بترجمتين

نشر في: 18 مارس, 2017: 12:01 ص

كتبت الشاعرة الروسية المعروفة آنّا أخماتوفا هذه القصيدة عام 1924 وكان عمرها آنذاك (35) سنة. عنوان القصيدة بالروسية (مووزا), وهو اسم ربّة الالهام في الأساطير الاغريقية، وقد دخلت هذه الكلمة الى اللغة الروسية منذ زمن بعيد، واصبحت مفهومة للقارئ الروسي بم

كتبت الشاعرة الروسية المعروفة آنّا أخماتوفا هذه القصيدة عام 1924 وكان عمرها آنذاك (35) سنة. عنوان القصيدة بالروسية (مووزا), وهو اسم ربّة الالهام في الأساطير الاغريقية، وقد دخلت هذه الكلمة الى اللغة الروسية منذ زمن بعيد، واصبحت مفهومة للقارئ الروسي بمعنى الإلهام أو آلهة الالهام، ونجد هذه الكلمة حتى في شعر بوشكين وبقية شعراء القرن التاسع عشر.

يترجم  د. جابر مؤلف القاموس الروسي – العربي المعاصر الكبير هذه الكلمة كما يأتي – الهة الشعر والغناء عند الاغريق / مصدر الهام، وهي ترجمة صحيحة طبعاً، رغم أن مؤلف القاموس جعل هذه الكلمة مرتبطة بالشعر والغناء قبل كل شيء، بينما هي أوسع من ذلك.
السبب الذي دفعني لكتابة هذه المقالة هو انني وجدت في مجلة (الاقلام) العراقية ترجمة لهذه القصيدة بقلم الشاعر المصري محمد عفيفي مطر (الاقلام / العدد 8 / سنة 1980)، والتي جاءت بعنوان – (ربّة الشعر)، وهذا نصها – كما أترقب مجيئها اذا جن الليل
تتنزل على شعاع, فإن الحياة تبدو لي هكذا,
رخيصة هي الامجاد والشباب والحرية , حينما
تقترب الزائرة العذبة من سريري بارغولها
انظروا...ها هي تأتي وترفع الحجاب
تنظر اليّ بلطفها الآسر.
أقول لها – هل أمليت الجحيم
على دانتي؟ عندئذ تجيب (نعم).
بعد القراءة، لم افهم بعض المقاطع، مثلاً ( تتنزل على شعاع  /// رخيصة هي الأمجاد والشباب والحرية ...)، وهكذا قررت العودة الى النص الروسي لقصيدة أخماتوفا، وبدأت اقارنه مع نص الترجمة، وفهمت عندها أن المترجم  نفسه ربّما لم يفهم تلك المقاطع كما جاءت عند أخماتوفا، أو أنه تصرّف كما أراد بغض النظر عن النص الأصلي. عندها بدأت أبحث عن ترجمة أخرى لهذه القصيدة، ووجدتها فعلاً في موقع (المسيرة) الالكتروني, وهي للمترجم د. ثائر زين الدين وبعنوان – (ربّة الالهام)، وهذا نصها –
عندما انتظر قدومها في الليل
تبدو الحياة معلّقة بشعرة.
ما الشرف، ما الشباب، ما الحرية؟
أمام ضيفة غالية تحمل المزمار في يدها
ها هي ذي تدخل، تنظر اليَّ باهتمام
وقد كشفت النقاب عن وجهها.
أقول لها- ألست أنت من أملى على دانتي
صفحات الجحيم؟ فتجيبني – (أنا).
كل مترجم طبعاً يمتلك الحق بالاجتهاد، وبالتالي، يمكن أن يعبّر عن اجتهاده كما يرى ويرغب، شريطة عدم ارتكاب الأخطاء .
لنتأمل الترجمتين –
العنوان يختلف عندهما، ألا أنه دون اخطاء. أيّهما الاكثر دقة ؟ الجواب – ربما ربّة الالهام، وليس ربّة الشعر، ايّهما الأكثر جمالاً ؟ الجواب – ربما ربّة الشعر (التي أملت على دانتي صفحات الجحيم !). // الجملة الأولى – (اترقب مجيئها اذا جنّ الليل) عند عفيفي مطر أجمل وأكثر شاعرية من (انتظر قدومها في الليل) عند ثائر زين الدين. //  الجملة الثانية – (تتنزل  على شعاع ...) عند عفيفي مرتبكة وغير مفهومة وتمثّل اجتهاداً غير دقيق وغير صائب ولا يتجانس مع النص الاصلي، أما عند ثائر (تبدو الحياة معلقة بشعرة) فهي أوضح، وتنطبق حرفياً مع النص الأصلي، أي أنها ترجمة حرفية جميلة وصحيحة. // الجملة الثالثة – (رخيصة هي الأمجاد....) عند عفيفي، مقارنة مع – (ما الشرف ....) عند زين الدين، تقتضي التوقف والتأمل. كلمة (رخيصة) أضافها عفيفي من عنده، ولا توجد عند أخماتوفا، وقد أساءت الى النص، واختلف المترجمان في كلمتي-  (الأمجاد) عند عفيفي و(الشرف) عند زين الدين، وهي عند أخماتوفا التشريف أو مراسيم الاحترام. وضع زين الدين علامة السؤال بعد (..ما الحرية ؟)  وهي لا توجد عند أخماتوفا. واختلف المترجمان في - (الزائرة  العذبة )عند عفيفي، و(ضيفة  غالية) عند زين الدين، وهي (ضيفة حبيبة أو عزيزة)  عند أخماتوفا، ويمكن أن تكون (غالية) طبعاً، ولكن لا يمكن أن تكون (عذبة !). وأضاف عفيفي من عنده – (من سريري)، وحوّل  (المزمار) كما عند أخماتوفا وعند زين الدين ايضاً الى (ارغول) وهي آلة موسيقية تشبه الناي عند المصريين القدماء وليست معروفة تقريباً للقارئ العربي المعاصر،وأضاف من عنده أيضاً – (بلطفها الآسر)، ولا ضرورة لكل  ذلك بتاتاً. نهاية القصيدة عند زين الدين أكثر دقة وأجمل من نهايتها عند عفيفي، الذي أضاف أيضاً من عنده كلمة (عندئذ)، وهي لا تتناسق حتى مع النص العربي.
محمد عفيفي مطر – شاعر مصري معروف ( 1935 – 2010 ) وأصدر العديد من المجاميع الشعرية وساهم في حركة الترجمة أيضاً، أما د. ثائر زين الدين فهو اسم مجهول بالنسبة ليّ، ولم يسبق أن قرأت له نتاجات أدبية أو ترجمات (ومن المحتمل جداً انني لم اتابع نشاطه الأدبي ليس إلا، ولهذا لا أعرف عنه أي شيء)، ومع ذلك، فإن ترجمته كانت بشكل عام أفضل من ترجمة شاعر له مكانته المتميزة في تاريخ الشعر العربي الحديث، وهذه المقارنة السريعة بين ترجمتيهما تبين بلا شك، إن ترجمة الشعر تعتمد على موهبة الشخص الذي يقوم بالترجمة وأمانته العلمية ودقّته، وليس على كونه مشهوراً أو شاعرأ معروفاً ليس إلا، وإن هذه الشهرة لا تسمح له بأن يتصرف كما يشاء في الترجمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الحصيري في ثلاثة أزمنة

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي

موسيقى الاحد: احتفاليات 2025

رولز رويس أم تِسْلا؟

جُبنة ألسخوت(*)

مقالات ذات صلة

رولز رويس أم تِسْلا؟
عام

رولز رويس أم تِسْلا؟

لطفية الدليمي كلّما سمعتُ شاعراً أو كاتباً يقول:"أنا كائن لغوي. أنا مصنوع من مادّة اللغة" كان ذلك إيذاناً بقرع جرس إنذار الطوارئ في عقلي. هو يقولها في سياق إعلان بالتفوّق والتفرّد والقدرة الفائقة على...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram