TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > طيران خارج السرب

طيران خارج السرب

نشر في: 18 مارس, 2017: 06:11 م

adnan.h@almadapaper.net

بجهد سعت إحدى الفضائيات المحلية (في برنامج اخباري شاهدته صباح أمس) أن تُثبت أن موازنات الدولة في عشر سنوات، منذ 2004 ، لم تتعرض الى أي سرقة من أي نوع، وأن الكلام في هذا الخصوص لا أساس من الصحة له، أي هو مجرد هراء.
القناة نسبت الى البعض قولهم إن مدخولات العراق المالية في السنوات العشر تلك بلغت 1000 مليار دولار، وهي "صحّحت" الرقم الى 600 مليار دولار فقط، وأظهرت بالكلام وبتقنية "انفوغراف" أن هذا المبلغ قد أنفق بالكامل على الموازنات التشغيلية والموازنات الاستثمارية وعلى حصة اقليم كردستان وسداد الديون الخارجية، وبخاصة ديون الكويت.. وانتهت الى أن الرصيد النهائي يساوي صفراً، وبالتالي فلم يحصل أن تعرّض دولار واحد الى السرقة.
كنّا نتمنى أن يكون كلام القناة المحسوبة على ائتلاف معين وحزب معين ورئيس وزراء سابق معين، صحيحاً لتقرّ أعيننا وتهدأ خواطرنا ونطمئن الى أن دولارات نفطنا قد صُرفت على نحو سليم وأن دولتنا خالية من الفساد الإداري والمالي ومسؤوليها جميعاً مبرأون من هذه التهمة المخلّة بالشرف الوطني والشخصي.
ما يُؤسف له أن الحقيقة ليست كذلك، واليكم الدليل.
 هذا الدليل مُقدّم من شخصية ليس في وسع القناة أو سواها الطعن في صدقية معلوماتها، فالسيد عادل عبد المهدي هو من أقطاب النظام الحالي منذ قيامه في 2004  الى ما قبل سنة واحدة فقط، أي حتى يوم استقالته من منصبه وزيراً للنفط في مثل هذا الشهر من العام الماضي. وقبل حقيبة النفط كان عبد المهدي قد حمل حقيبة المالية في العام 2004، ثم عُيّن في منصب نائب رئيس الجمهورية في العام 2005 حتى 2011.
في منتصف آب 2015 قال السيد عبد المهدي، وكان لم يزل وزيراً للنفط، في بيان إن موازنات العراق منذ العام 2003 وحتى العام 2015  بلغت 850 مليار دولار، مؤكداً انه كان في إمكانها "أن تولّد تريليونات الدولارات من القيمة المضافة لو ضُخّت للأسواق ومواقع العمل والإنتاج بنحو سليم، لتسهم بإصلاح أي مجتمع مهما كان متخلفاً أو متأخراً".
لم يحصل ذلك لأن تلك الأموال، بحسب تأكيد السيد عبد المهدي، تعرضت لعمليات فساد  إداري ومالي كبرى، وأوضح أن الفساد كان بثلاثة مستويات.
لندع بيان السيد عبد المهدي يعرض هذه المستويات ووقائعها:
-  " المستوى الاول، هو الفساد الشخصي الذي يقدّر البعض انه يستهلك 3% من مجموع هذه الارقام، أي ان استغلال الموقع لتحقيق المنافع الخاصة، إن صحّت التقديرات، استنزف 25.5 مليار دولار وهذه مبالغ هائلة تعني أن ما يُسرق بطرق الاحتيال والسحت الحرام لا يقل عن 2 مليار دولار سنوياً".
-  "المستوى الثاني، هو فساد النظام، وهنا تستبطن المسألة أمرين، أولهما ترهّل الدولة وتحوّلها الى دولة رعاية اجتماعية (رعاية ضعيفة تكرس الكسل والاتكالية) وليست دولة خدمات عامة، فتستهلك عبر موازنتها التشغيلية -ومعظمها رواتب واجور ومخصصات وتقاعد وسياسات دعم- للمزيد من الثروات، مقابل القليل من الانتاج والخدمات. وهذا فساد للنظام استهلك ما لا يقل عن نصف مبالغ الموازنات المتعاقبة، اي حوالي 425 مليار دولار... وثانيهما سوء استخدام الأموال والتخطيط لها، فلقد تراكم اليوم لدى وزارة التخطيط حوالي 9000 مشروع معطل قيمها تقارب 300 مليار دولار، ونسب التنفيذ فيها بين 5% و90% لم تنجز في مواعيدها، ومعظمها متأخر لسنوات، مما سبب ويسبب خسارة وتجميد وتآكل وعدم الاستفادة من أموال هائلة، ضائعة او معلقة بين المحاكم والمصارف والدعاوى المتبادلة بين دوائر الدولة والشركات والمقاولين".
- "المستوى الثالث، هو ما تعطلّه البيروقراطية وقواعد عمل الدولة البالية وقراراتها واجراءاتها الارتجالية، والسلوكيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة التي تحجز طريق الانطلاق والتنمية".
ما من ائتلاف أو حزب أو زعيم ائتلاف أو حزب لم يقرّ ويعترف بأن الفساد الإداري والمالي أكبر آفة نواجهها الآن .. ما معنى الطيران خارج السرب، إذن؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. أبو أثير

    ما هذه القنوات الفضائية العراقية ألا أبواق أعلامية للسياسيين الذين أستولوا بلصوصيتهم على المال العام وبشتى الطرق ... والدليل على ذلك أنه لم يسجل ولا يعرف عن أي قناة فضائية ما بعد 2003 بمدة قصيرة وتقريبا العامين سوى فضائيات عالمية أخذت تبث من خارج العراق

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram