البحث عن موضوع صالح للكتابة لم يعد أمراً عسيراً، سيما على أقلام تعرفت على صنعة (الألف باء)، لكن كتابة موضوع صالح للقراءة، أمر عسير، عسير جداً.
عليك أن لا تثير ولا تحيي ضغائن كامنة، ولا تؤجّج نيران جمرة لبدت وسط بيدر رماد !!
هذا الأمر الذي يبدو يسيراً، ما هو بيسير، قط، كما لو اعتزم أحدنا البحث عن إبرة خياطة، وسط أكوام قش.
كيف يمكن استلال إبرة لبدت وسط أكوام قش ؟ تلك هي المعضلة، وتلك هي مشكلة الكتّاب في هذا الزمن المر العصيب .
……….
علاقتي بالصحافة حميمة، علاقة لثم وضم وعناق، علاقة أم بوليدها، مبرأة من كل إثم…علمتني سنوات العمل المتواصل بالصحافة -لأكثر من خمسين سنة خلت- علمتني دروساً، لا يمكن نسيانها، كما لا يمكن تجاهلها، منذ أيام فيصل حسون، وصادق الأزدي في جريدة الجمهورية الأولى، منذ سنوات جريدة المنار لصاحبها ورئيس تحريرها طيب الذكر، المرحوم عبد العزيز بركات، منذ أيام عبد الله الملاح، منذ سنوات منذر عريم وعبد الجبار الشطب في مجلة الف باء، منذ العمل في جريدة الجمهورية الثانية برئيس تحريرها سعد قاسم حمودي، منذ ومنذ، ومنذ، تعلمنا، أو علمتنا النجاحات والإخفاقات، دروساً بليغة، لايمكن نسيانها أو تناسيها أو تجاهلها، كان ثمّة خط وهمي (منظور للقاصي والداني!) غالباً ذو لون أحمر قان، لا يمكن تجاوزه، أو اللعب به !، رغم مساحة الحرية المقيدة المتاحة آنذاك، يومها نصحني المرحوم حميد رشيد - الذي لا يكاد يذكره أحد - نصيحة لا تقدر بثمن، قال: سأعلمك فناً من فنون الصحافة الحرة !!: عليك السير حافية القدمين على آديم مياه النهر، شرط ألا تبتل قدماك أو يواجهك غرق !!
ما اشقها من مهمة مستحيلة على يافعة مثلي، لم تبلغ العشرين بعد؟؟
منذ ذلك الحين تعلمت كيف أواري سوءة.. صدقي وصراحتي وحرقتي، وأدسها عمداً وعن وعي بين السطور اليوم، لا رقيب على ما نكتب - شرط النزاهة والصدق- لكن الرقيب الذي كان متمثلاً برئيس أو سكرتير تحرير.. يتربصون بي! لبدوا واستقروا في دهاليز الذاكرة، وما من خلاص، يحثونني على قراءة الموضوع ثانية وثالثة، قبل ايداعه صندوق ((الانترنت)).
لهم الله ارباب الكلمة الصدق الذين لا يبحثون عن موضوع يصلح للكتابة -فذاك أمر يسير- ولكن محنتهم تكمن في البحث عن موضوع يصلح للقراءة!!.