TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لن تموت الرواية!

لن تموت الرواية!

نشر في: 1 إبريل, 2017: 09:01 م

القسم الأول
يبدو  أن الكثيرين من النقّاد والدارسين وبعض المفكرين يجدون ولعاً آسراً  في الحديث عن نهاية الأشياء وموتها: موت الفلسفة، موت الرواية، موت الإنسان العاقل، ويتخذ الحديث في العادة نبرة مأساوية منذرة تلبس لبوساً لاهوتياً ذا طبيعة كهنوتية لعلّها تذكّرنا بقرب حلول (كارثة) بشرية تنفلت فيها كل الضوابط المنظمة للحياة الإنسانية من عقالها ويغدو فيها الناس سكارى مشتتين مسوقين بدافع عوامل كونية غامضة أو سايكولوجية قاتلة، وربما يمكن مشابهة هذا الوضع البشري مع ماحصل في باكورة الألفية الجديدة ومارافقها من التبشير بنهاية العالم بسبب معضلة الأصفار الخاصة بسنة 2000! والنبوءة الأخرى حول حلول الكارثة سنة 2012 التي استبقها صناع السينما بفلم كارثي مروع عن نهاية كوكبنا.
ليس القول بموت الرواية (والأدب بعامة) موضوعة جديدة أو غير مطروقة من قبل، ويمكن - مثلاً - قراءة العبارات الإفتتاحية التالية التي كتبها الناقد الأدبي الراحل ذائع الصيت فرانك كيرمود Frank Kermode قبل مايزيد على الخمسين سنة خلت، وهي منشورة في سياق مقالة بعنوان (حياة الرواية وموتها Life and Death of the Novel ) في (مراجعة نيويورك للكتب) بتأريخ 28 تشرين أول (أكتوبر) 1965 :
" إن القدر الخاص للرواية - باعتبارها نوعاً أدبياً - هو أن تنتهي دوماً إلى حالة الاحتضار، والسبب الجوهري وراء هذا الأمر هو الإدراك الواعي والدائم لدى الروائيين والقرّاء الأكثر ذكاءً  بتلك الفجوة - المحشوةّ سخفاً والتي لاتنفكّ تتّسع - بين العالم على الشاكلة التي يبدو بها لنا وبين ذلك العالم المفترض في الروايات. بالطبع وحدهم الروائيون وقرّاؤهم الأكثر ذكاءً ونبوغاً هم  من يتجرّأ على التصريح باحتضار الرواية؛ في حين يبدو الغالبية من الناس سعداء بما تُتاحُ لهم قراءته من الروايات التي تحوزعلى الرؤى والمقومات الرئيسة للفن الروائي - تلك المعالم الجوهرية للفن الروائي التي دعاها  "السير والتر سكوت"  بأنها (موطن الرواية) في سياق حديثه عن الرواية الإنكليزية في القرن الثامن عشر ..."
كان هذا حديثاً قبل مايزيد على النصف قرن من الزمان، غير أن  الرواية لم  تحتضر ولم تمت، ولا أحسبها ستموت أبداً، طالما هناك مخيلة نشطة ودور نشر وقرّاء ينتظرون اصدارات هذا الكاتب أو تلك الكاتبة كما يحصل عند صدور كتاب جديد  لهاروكي موراكامي .
هناك المزيد من الأسباب التي تجعل من الرواية فناً حيوياً يستعصي على الاحتضار والموت اللذين يبشّر بهما بعض المولعين بسيناريوهات النهايات الكارثية للعالم وموت الإنسان، وأهم تلك الأسباب أن، الرواية حاجة إنسانية وجودية: هناك العديد من الحاجات المرتبطة بالوجود البشري وأفضل تمثيل لهذه الحاجات هو مخطط التراتبية الهرمية للحاجات البشرية الذي وضعه عالم السايكولوجيا الأشهر (أبراهام ماسلو)، وتندرج الرواية في فئة الحاجات التي تعزّز نوعية الحياة البشرية وتدفعها فوق مستوى الحاجات البيولوجية البدائية كما تعزّز ملكات التخييل البشري وتمنعها من الذبول والإنطفاء. من الضروري هنا التأكيد على أن الحاجة الوجودية للرواية (مثل غيرها من الحاجات البشرية كالحب، الصداقة، الخيال..) لاترتبط بمستوى تقني معين أو أي تغيّر يطرأ على أشكال العلاقات البشرية المستجدة والمتغيرة باستمرار، وذلك لأن الرواية، وبصرف النظر عن أي تحليل أو نسق نظري معتمد في دراستها هي فعالية فردية.
 يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram