2
القراءة
في حوار للأرجنتيني، لكن المواطن العالمي أيضاً، عبر لويس خوروخة بورخيس عن فهمه للأدب الكلاسيكي وهو يجيب على سؤال لمحاوره الشاعر والدبلوماسي أزفالدو فيريري في هذا الصدد.
وحسب صاحب كتاب الألف، أن كتاباً كلاسيكياً هو ليس كتاباً كُتب بطريقة معينة. كما ذهب الشاعر الانكليزي أليوت، عندما قال بأن كتاباً كلاسيكياً ينشأ فقط في حالة أن لغة ما كانت وصلت إلى كمال معين؛ أن عصراً أو مرحلة زمنية ما وصلت إلى كمالها. كلا، من ناحيته، هو بورخيس لا يؤمن بذلك، وبالنسبة له أن كتاباً كلاسكياً، هو ليس كتاباً كُتب بطريقة معينة، بل هو كتاب قُرأ بطريقة معينة؛ عندما نقرأ كتاباً، كما لو أن ما في داخله لم يأت مصادفة، كما لو أن ما فيه يلبي غاية ولكن لا يُمكن سبر أغوارها، حينها سيكون كتاباً كلاسيكياً، وأفضل دليل على كلامه، والكلام ما يزال لبورخيس، هو الكتاب الصيني كتاب التحولات الذي يحتوي على أربع وستين فزورات سحرية: أربع وستين مرة بشكل خطوط كاملة أو خطوط مقسمة، مطعمة بأربع وستين امكانية خطية أخرى. حار المرء في تفسير الكتاب، منحوه العديد من التفسيرات، وهو أحد أكثر الكتب الكلاسكية في الصين. الكتاب لا يحتوي على كلمات، إنما فقط على خطوط كاملة أو نصفية، لكنه يُقرأ بوجل، برهبة. بورخيس يقارن ذلك باللغة عند كل من الكتّاب الكلاسيكيين، نفس الأمر يحدث عند قراءتهم. عند قراءة شكسبير يفترض المرء مثلاً كل سطر عنده يجب التمعن به وسبر أغواره، نفس الشيء يحدث عند قارئة الدون كيخوتة، والكوميديا الإلهية أو كل سطر من الاشعار الهوميرية. هذا يعني، أن الكلاسيكي، هو كتاب يُقرأ باحترام، بتبجيل. لهذا يظن بورخيس أن قيمة النص تتغير حسب المكان الذي فيه: عندما نقرأ النص في جريدة يومية، نقرأه بشكل محكوم أنه سيُنسى مباشرة، وحدها الصفة "جريدة يومية" تحيلنا إلى مؤقتيته، تلاشيه: كل يوم تأتي جريدة جديدة تمحو التي قبلها. في المقابل عندما نقرأ النصّ نفسه في كتاب، نفعل ذلك باحترام. لهذا السبب يقول بورخيس، الكتاب الكلاسيكي هو الكتاب الذي يُقرأ بطريقة معينة، ثم يذكر بعدها بعض العناوين، محلية من الأرجنتين وعالمية.
لكن ألا نفعل ذلك دائماً؟ وبورخيس في تأكيده ذلك لا يكرر نفسه، انه يكررنا أيضاً معه، ألا نفعل ذلك ليس مع الكلاسكيين وحسب، بل مع كل كتاب نقرأه؟ ألفيلسوف الأميركي أيمرسون، الذي لا ينسى بورخيس أن يذكره في أغلب حواراته، مكرراً اعجابه به، يقول ما معناه: الكتاب هو شيء من جملة أشياء أخرى، شيء ميت، حتى يأتي أحدهم ويفتحه. وبعدها تحدث العملية الاستتيكية، هذا يعني، أن الميت يُبعث مجدداً للحياة، في هيئة هي ليست بالضرورة الهيئة التي أراد المؤلف تقديم موضوعه على شكلها، أنه (الكتاب) يتخذ هيئة أخرى؛ أنها التنويعات الرائعة هذه، التي سيحدث القراء عنها مؤلفه، عندما يقومون بتفسير ماكتبه أو ما شعروا به عند قراءة كتابه.
لكن هل قراءة كتاب ما محايدة؟ أغلب الكلاسيكيين الذين تحدث عنهم بورخيس تعرضوا للتهميش والنفي في زمانهم، ولم يصبحوا كلاسكيين إلا في أزمنة لاحقة، دانتي مثلاً، نُفي عن روما لسنوات طويلة، وكتب الكوميديا الإلهية في المنفى، وأشتهر أولاً بعد موته، نفس الشيء حدث لسيرفانتيس وهومير، أصبحوا معرووفين في أزمنة لاحقة، هذا يعني، أن كتاباً سيُقرأ بطريقة معينة، بوجل، باحترام، بتبجيل، أولاً بعد حصول مسافة بين مؤلفه وقارئه، زمانية أو مكانية كانت، في العصور القديمة وبعدم وجود الميديا والاعتماد على الترجمة كان ذلك ممكناً، واليوم؟ والأكثر من ذلك، ماذا عن قراءة الأعمال الأدبية عندنا، حيث تسيطر سوق لاثقافية فاسدة، السلطة فيها للبيترودولار الخليجي وجوائزه التي هي في تكاثر مثل نبات الفطر؟ أليست قراءاتنا منحازة مسبقاً، تقتل هذا الشي الميت الذي تحدث عنه إيمرسون مرة ومرة ومرات، قبل أن تُفتتح أول صفحة له، إذا لا أقول بل قبل حتى أن يُعرف عنوانه؟
في التعلم من بورخيس
[post-views]
نشر في: 4 إبريل, 2017: 09:01 م