اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الروح الهندية في ابي الخصيب

الروح الهندية في ابي الخصيب

نشر في: 8 إبريل, 2017: 09:01 م

حبُّ الطبيعة وكراهية الحرب ركنان أساسيان في حياة الهندي الاحمر، أما العزلة فهي معبده الحقيقي، فهو غير معني ببناء معبد لآلهته، لأنَّ العبادة اسمى من أن تحيطها جدران، والطبيعة كلها معبده، لذا فهو لا يتحدث في المسائل العميقة، طالما أنه يؤمن بها، وكان، أثبت بان الطعام جيد لكنَّ التخمة قاتلة، وأنَّ الحبَّ حسن لكنّ الشهوة مدمرة. كان الهندي الأحمر قد حفظ  روحه حرّة من قيد الكبرياء والجشع والحسد ونفذَ المرسوم الإلهي كما آمن به بعمق، كأمر هام بالنسبة له.
كنت أقرأ في كتيب صغير، اسمه (الروح الهندية) كتبه تشالز الكسندر ايستمان وترجمه الحسين خضيري، ولأنَّ شعوري بالتعب والخذلان طاغ، الأيام هذه، فقد إتخذت من جذع نخلة متكأ لجسدي، في شبه قيلولة، أرقب السيّد أبا منذر، الفلاح، الذي  يعمل في البستان العائد لي، آن أصغي فيها لنداء الهندي، وهو يقول: "في اللحظة الجليلة لشروق الشمس او غروبها أشغل موقعي، أطلُّ على الامجاد الارضية، مواجها السرَّ العظيم وقد مكثتُ هناك عاريا، منتصبا، ساكنا بلا حراك، متعرضا للعناصر لليلتين ويومين". لا أعرف، كيف التصقت صورة أبي منذر بصورة الهندي الأحمر ذاك، وتشكلت عندي صورة واحدة لحب الطبيعة وكراهية الحرب وطريقة العبادة وعشق الحياة .
قبل يومين قال لي أبو منذر: انا، ومنذ تقاعدت عرضوا علي أشغالا كثيرة، لكنني لم أختر واحدة، أردت أن أكون فلاحاً، مثل أبي وجدي، ويصحح: مثل آبائي وأجدادي، انا، أحب الأرض، قد لا تمنحني ما أريده من مال، هناك مهن تدر أموالاً اكثر، في الصناعية مثلاً، وفي الشركات الأجنبية لكنني، أحب الأرض، أحب ان أجني مما ازرعه، التراب والماء والاشجار عناصر لا أشعر معها بالغربة، أعيب على المتقاعدين جلوسهم على الطرقات، قرب محال البقالة وفي المقاهي. ومن زاويتي، تحت الجذع الرطب، كنت ألم شتات الصور في ما أقرأ وما أسمع. كان أبو منذر يرسم صورة الهندي الأحمر الذي رأى المعجزات في كلّ يد تعمل، معجزة الحياة في البذرة والبيضة، معجزة الموت في ومض البرق أو في الغابة العميقة.  
أمس، جاءني بأقلام دفّلى بيضاء، قال: لم أر في بستانك إلا الأحمر والورديّ منه، كان يعي تماماً معنى الأبيض ازاء الأحمر والوردي، وقبل ذلك، حمل لي على دراجته الهوائية فسيلاً نادراً، سألني ما إذا أود ان أغرسه قرب النهر ام  في مكان آخر، ومثل من يحمل وليداً، قال: باسم الله، وعلى بركة الله، زرعنا والزارع الله، للطير وما سهّل الله. يا الله، وأنبته في الموضع الذي احتفره له. أيّ نشيد سماوي هذا، هو يزرع ولا يمانع إن أكله الطير منه. كان الهندي الأحمر يرى في الحيوانات كلها إخوة له في الكون، لهم الحق في الحياة مثلما له، وكان يسلم نفسه للسكون الذي تهدهده تنهدات الاشجار وشدو الطيور المبتعدة وخرير المياه، توغل الاصوات هذه في روحه نبضاً سامياً.
أبو منذر، سيّد هاشمي، من سلالة محمد النبي، وهو من أسرة عمل البعض منها في الدين والسياسة، وله أقرباء في السلطة، يمكّنونه من إشغال وظائف مميزة، وقد عرضوا عليه بعضها، لكنه رفض، ورفض أكثر منذ ذلك، أراد أن يعبد ربه في فسحة من الطبيعة، تحت النخل وبين السواقي، بعيداً عن المساجد والحسينيات، أراد ان يبقى هندياً أحمرَ، يعتني بالحيوانات والاشجار ويصغي لنداء المخلوقات. اما أنا فقد رحت أسجد في الموضع الذي تساقط فيه حبات عرقه، أرفع يداي الى السماء قائلا: اللهم، تقبل مني هذه الصلوات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram