يجري الحديث مطولاً بين الأوساط الاقتصادية سواء أكانت تشريعية أم متخصصة عن ماهية قروض صندوق النقد الدولي للعراق ومدى فائدتها للخروج من الأزمة المالية الحالية في ظل تداعيات انخفاض اسعار النفط عالمياً، فتارة يتحدث البعض عن كونها ستفتح المجال امامنا للحص
يجري الحديث مطولاً بين الأوساط الاقتصادية سواء أكانت تشريعية أم متخصصة عن ماهية قروض صندوق النقد الدولي للعراق ومدى فائدتها للخروج من الأزمة المالية الحالية في ظل تداعيات انخفاض اسعار النفط عالمياً، فتارة يتحدث البعض عن كونها ستفتح المجال امامنا للحصول على تسهيلات وقروض ودعم منظمات مالية دولية ودول كبرى، وفق مظلة مالية دولية يحصل عليها العراق تصل قرابة الـ20 مليار دولار، مع ما يراه آخرون من أن الاقتراض من الصندوق مهم جداً للعراق بل ويقوّي مركزه خارجياً من ناحية التعاملات المالية، وتارة يشكك آخرون بهذا الطرح، مشيرين الى أن، القروض ليس من شأنها الا أن تثقل كاهل الدولة المقترضة بالتزامات مالية وتكبّلها بديون لسنوات طويلة، مع حقائق لا يمكن إغفالها اثر تداعيات احتلال داعش لعدد من المدن العراقية وما خلّفه من أعداد هائلة من النازحين ودمار للبنى التحتية لتلك المناطق، مما يقتضي اعادة إعمارها بعد التحرير، ناهيك عن تكاليف هذه الحرب التي لا يستطيع أحد تقديرها حتى الآن .
اجتماعات وحوارات معمّقة استمرت على مدى العامين المنصرم والحالي، لاستكمال حصول العراق على قرض صندوق النقد الدولي البالغ 5,3 مليار دولار، بفائدة سنوية منخفضة تبلغ واحداً ونصف بالمئة، رافقتها طلبات وسياسات واجراءات أوصى بها الصندوق، فيما يتعلق ببرنامجه للاستعداد الائتماني مع العراق، منها اجراء تخفيضات إضافية للنفقات ومكافحة الفساد، وتفعيل القطاعات الاقتصادية والاصلاح المالي، التي بحسب مسؤولين، تصب في مصلحة الاقتصاد العراقي، ليبقى الرأي الأهم لصندوق النقد الدولي بهذا الشأن، حيث يجيب رئيس بعثة الصندوق في العراق كريستيان جوز، عن بعض الاسئلة خلال حديث لـ(المدى)،عبر الإيميل.
* ما هو مستقبل برنامج الاستعداد الائتماني مع صندوق النقد الدولي، اذا ما تعرضت اسعار النفط الى تحسن كبير يقضي على العجز؟
- في ظل التوقعات الحالية لأسعار النفط، نرى أنه ينبغي اتباع منهج للتصحيح المالي يجمع بين الطموح وقابلية التطبيق، بغية سد العجز مع نهاية هذا العقد (2020). وإذا ارتفعت أسعار النفط بدرجة تنتفي معها الحاجة إلى الدعم المالي الدولي من صندوق النقد الدولي والجهات المانحة الأخرى، يُترَك القرار للحكومة العراقية في شأن استمرار تنفيذ اتفاق الاستعداد الائتماني المعقود مع الصندوق.
* هل وضع الصندوق في الحسبان، في برنامجه كيف سيتمكن العراق من تسديد ديونه المتراكمة والاقتراض لإعادة الاعمار فيما لو استمرت اسعار النفط على معدلاتها الراهنة؟
- نعم، إذا نفذت الحكومة العراقية برنامج التصحيح المالي الذي ينصُّ عليه اتفاق الاستعداد الائتماني، سيكون بوسعها سداد ديونها.
* ماهي السبل المتاحة للعراق لإقامة شراكة اقتصادية مع العالم لتشغيل الاقتصاد ورفع معدلات النمو والتنمية فيه وخفض مستويات البطالة الفعلية الى مرتبة عشرية واحدة لتكن 40% بدلاً عن 24%؟
- ينبغي للحكومة العراقية تنفيذ ستراتيجية النمو التالية: أولاً، الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلّي عن طريق تجميد الإنفاق العام بالقيمة الاسمية لمدة عامين، حتى تسد عجز المالية العامة بالتدريج وتحافظ على ربط الدينار العراقي بالدولار الأمريكي. ثانياً، خلق حيز مالي عن طريق زيادة الإيرادات غير النفطية وتخفيض النفقات الجارية، على أن يُستخدَم هذا الحيز للنهوض برأس المال البشري وإعادة بناء رأس المال المادي في العراق. ثالثاً، تحسين مناخ الأعمال، وهو ما يؤدي، مع تقليص دور الدولة في الاقتصاد في سياق الضبط المالي الجاري، إلى زيادة الحوافز لتنمية القطاع الخاص، ولا سيما مع بدء أعمال إعادة الإعمار. وأخيراً، سيؤدي الإصلاح وإعادة الهيكلة في القطاع المالي، إلى تعزيز قدرته على دعم القطاع الخاص على المدى المتوسط أثناء إعادة الإعمار.
* الجميع يعتقد أن الاقتصاد في انكماش أو كساد حاد وسعر صرف الدينار الأسمي هو غير واقعي ويفوق القيمة، مقارنة بالعجز في الحساب الجاري لميزان المدفوعات.، أما آن الأوان لتخفيض قيمة الدينار وسعر صرفه ازاء الدولار وتحمل شيء قليل من التضخم بغية ترشيد مجمل الانفاق الكلّي للدولة؟ ماهي توجيهاتكم بهذا الصدد؟
- مازال البنك المركزي يحتفظ بمستوى مريح من احتياطيات النقد الأجنبي
نحن نرى أنه من المناسب الحفاظ على ربط الدينار العراقي بالدولار الأمريكي. فلن يحقق تخفيض قيمة العملة فائدة كبيرة للاقتصاد وسيسبب زيادة حادة في التضخم.
* تراجع الاحتياطي النقدي العراقي لدى البنك المركزي مؤخراً الى حدود 49 ملياراً، كيف تنظرون الى هذا التراجع، وهل لديكم توصيات للجانب العراقي بشأنه ؟
- لا يزال البنك المركزي يحتفظ بمستوى مريح من احتياطيات النقد الأجنبي الإجمالية. وكما هو الحال في كل البلدان المصدرة للنفط، لا يمكن تجنب انخفاض هذه الاحتياطيات عند هبوط أسعار النفط. ونحن نوصي بتنفيذ الضبط المالي المتفق عليه بموجب اتفاق الاستعداد الائتماني لإبقاء هذا الانخفاض في حدود تتوافق مع ربط الدينار العراقي بالدولار الأمريكي.
* ماهي توجيهاتكم للعراق بشأن عملية اعادة الإعمار في المناطق المحررة، وما هو رأيكم بطرح الرئيس الامريكي دونالد ترامب، المساهمة بإعمار تلك المناطق مقابل النفط العراقي؟
- نحن نوصي أولاً، بتقييم احتياجات إعادة الإعمار بمساعدة البنك الدولي ثم جمع الموارد اللازمة لتنفيذها، بما في ذلك موارد العراق من النفط والدعم المالي الدولي.
يمكن للعراق تحمّل مديونيته بإجراء التصحيح المالي المتفق عليه
* الكل متخوف في العراق من حجم مديونية الحكومة العراقية سواء الداخلية والخارجية، كيف تنظرون الى هذه المسألة، وماهي توصياتكم؟
- يمكن تحمل مديونية العراق إذا أجرت السلطات التصحيح المالي المتفق عليه مع الصندوق بموجب اتفاق الاستعداد الائتماني.
يذكر أن صندوق النقد الدولي، وكالة متخصصة من منظومة بريتون وودز تابعة للأمم المتحدة، أنشئ بموجب معاهدة دولية في عام 1945 للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، ويقع مقره في العاصمة الأميركية واشنطن، ويديره أعضاؤه الذين يشملون جميع بلدان العالم تقريباً بعددهم البالغ 188 بلداً.
ويعد صندوق النقد الدولي، المؤسسة المركزية في النظام النقدي الدولي، أي نظام المدفوعات الدولية وأسعار صرف العملات الذي يسمح بإجراء المعاملات التجارية بين البلدان المختلفة، ويهدف إلى منع وقوع الأزمات في النظام الدولي عن طريق تشجيع البلدان المختلفة على اعتماد سياسات اقتصادية سليمة، كما يمكن للأعضاء الاستفادة من موارده، لمعالجة ما يتعرضون له من مشكلات في ميزان المدفوعات، وتتضمن الأهداف القانونية للصندوق تيسير التوسع والنمو المتوازن في التجارة الدولية، وتحقيق استقرار أسعار الصرف، وتجنب التخفيض التنافسي لقيم العملات، وإجراء تصحيح منظم لاختلالات موازين المدفوعات التي تتعرض لها البلدان المختلفة.