في غضون العامين الماضيين طالعنا محاولات عدة لإصلاح النظام السياسي العراقي. ويمكن الإشارة الى مشروع "التسوية"، ومبادرات زعيم التيار الصدري باعتبارها ابرز هذه المحاولات التي لم تفض الى نتائج ملموسة.
لكن ما يجمع هذا الحراك "الاصلاحي"، انه يجري خارج اطار البرلمان، رغم ان الأحزاب والزعامات التي تتبناه تمتلك كتلا وممثلين عنها في مجلس النواب.
هذه مفارقة تكاد ان تكون نادرة في تاريخ الديمقراطيات البرلمانية. فالمشاريع السياسية، في الحالة العراقية، تطبخ خارج البرلمان الذي تحول بدوره الى "صالة مائدة" تجتمع حولها الاطراف السياسية بعد انضاج الطبخة.
لقد تعرّض البرلمان العراقي، خلال العامين الماضيين، لأقسى انواع الاختبارات. فما ان يصحو من ضربة او أزمة، إلا وأفاق على أزمة او ضربة اكثر إيلاماً وتأثيراً في مساره.
فبعد فترة قصيرة من التناغم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية اثر تولي العبادي لرئاسة الحكومة نهاية 2014، وجه الاخير أول ضربة موجعة للبرلمان عندما فاجأه في صيف 2015 بحزم الاصلاحات والمطالبة بـ"اصلاح جوهري" في الحكومة.
استمر جدل الاصلاحات الحكومية بضعة اشهر انتهت باعتصامات التيار الصدري، واقتحام البرلمان ومبنى الحكومة في نيسان وأيار من العام ذاته.
وتطوّرت هذه الأزمة الى الاطاحة برئيس البرلمان على يد كتلة نيابية هلامية رفعت بدورها شعار "الاصلاح" ونجحت باسقاط وزيرين من كابينة العبادي ذاته.
انشغل البرلمان العراق خلال العامين الماضيين بإصلاح أخطاء المعارك السياسية التي وجد نفسه ضحية لها، وعاد منذ أشهر الى تفعيل العمل الرقابي، لا سيما سلسلة الاستجوابات التي انخرط فيها نواب الكتلة الصدرية رغم انهم انتقدوا عمليات استجواب سابقة تبناها خصومهم.
ومن ثمار حقبة تعافي البرلمان يمكن الاشارة الى اقرار قوانين الاحزاب، والعفو العام، ومجلس القضاء، وهيئة الحشد الشعبي، والاسلحة.
ورغم وجود تحفظات ومؤاخذات جمة حول بنود هذه القوانين، إلا انها تحسب انجازا للبرلمان وإدارته التي يطالها الاتهام والتسقيط بمناسبة واخرى من اطراف سياسية تمتلك حضورا في البرلمان ذاته!
من هنا يمكن الإشارة الى أضرار الصفقات السياسية التي تعرقل عمل البرلمان. فكلما تدخلت الكتل السياسية تعطل عمل السلطة التشريعية، ومتى ما رفعت الاحزاب السياسية يدها عن البرلمان نجح بتكريس دوره كمختبر مهم واساسي لانضاج التجربة الديمقراطية في البلاد.
وبالرغم من انخراطها بثلاث دورات برلمانية، إلا ان اغلب الكتل السياسية لازالت تؤمن بامكانية اطلاق عجلة الاصلاحات خارج قبة البرلمان عبر الصفقات، او عبر الضغط والتحشيد الجماهيري.
فشلت إصلاحات العبادي لانه استثمر فورة شعبية وحاول الضغط على البرلمان لتنفيذها، واكتشفنا بمرور الوقت، انها محاولة مرتجلة إرتدت على صاحبها.
بدوره مشروع زعيم التيار الصدري ما زال يرواح مكانه. فلم ينجح بمشروع الوزراء التكنوقراط، ولا التغيير الحكومي الذي اعتصم لأجله. كما انه اخفق في الضغط لتنفيذ العديد من متبنياته، وذلك بسبب انها مطالب يراد بها تجاوز البرلمان وسياقاته المعروفة.
المصير ذاته ينتظر مشروع "التسوية" الذي انخرطت فيه كتل وأطراف سياسية عديدة. فبحسب الأوراق التي كشفتها (المدى)، في سلسلة تقارير منذ تشرين الاول الماضي وحتى العاشر من نيسان الجاري، فإن الصفقة تتضمن تجاوزا للبرلمان وخرقا واضحا لبنود الدستور. وما لم يعاد برمجة "التسوية" داخل أروقة البرلمان، فان هذا المشروع سيلحق بركب مشاريع الاصلاح الفاشلة.
برلمان معطّل و إصلاح مؤجل
[post-views]
نشر في: 17 إبريل, 2017: 07:02 م