| الحلقة 4 |
عاش فلاديمير إيليتش لينين. زعيم ثورة اكتوبر في فترة تاريخية كان للادب الروسي فيها دور كبير في نشرالثقافة السياسية بين اوساط المواطنين الروس فقد كان من الصعب نشر النصوص السياسية صراحة في ظل الن
| الحلقة 4 |
عاش فلاديمير إيليتش لينين. زعيم ثورة اكتوبر في فترة تاريخية كان للادب الروسي فيها دور كبير في نشرالثقافة السياسية بين اوساط المواطنين الروس فقد كان من الصعب نشر النصوص السياسية صراحة في ظل النظام القيصري. فقد كان يتم اعتقال كتّاب المقالات (الطائشة كما كانت تصفها الرقابة القيصرية ) أي تلك التي تناوىء الحكم القيصري وحجزهم في مصحات حتى "يتعافوا":وبعبارة أخرى، حتى يتبرأوا علناً من وجهات نظرهم. وفي الوقت نفسه، كان يتم التعامل مع الروايات والشعر بشكل متساهل أكثر - وإن لم يحدث ذلك مع جميع الحالات.
فعلى سبيل المثال كانت مؤلفات الشاعر بوشكين(أعظم شعراء روسيا وكاتب روائي ومسرحي، ولد في موسكو في عام 1799م. نشأ في أسرة من النبلاء كانت تعيش حياة الترف. كان والده شاعرًا بارزًا ساهم ذلك على إنماء موهبته الشعرية توفى مبكرا في عام 1837 ) تخضع لرقابة مباشرة من القيصر نفسه . فقد كان القيصر نيقولا الأول، يصر على قراءة العديد من قصائد بوشكين قبل أن ترسل الى المطبعة . ونتيجة لذلك، كان يمنع نشر قسم منها ، او تتأخر طباعة بعض منها، اما الأكثر جرأة فقد كان يمزقها الشاعر الخائف على حياته بنفسه، خوفاً من مداهمة منزله. ولذلك لم يعرف احد ابدأ مصير ابيات الشعر التي حُرقت من مسرحية يوجين أونيجين الشهيرة (هي رواية شعرية نشرت ما بين 1825 و 1832 بشكل اجزاء مسلسلة في المجلات وهي من كلاسيكيات الادب الروسي. المواضيع الرئيسية التي تتناولها الرواية هي العلاقة بين الخيال والحب والحياة والحقيقية). يجمع بوشكين بين قصة حب فاتنة تعبّر عن الحياة الروسية في القرن التاسع عشر، وأحد أبرع الهجاءات الاجتماعية التي كُتبت قاطبة. وتمكن من إخراج ذلك كله على هيئة شعرية. فمع أول الكتاب تجده مرحًا وجادًّا، ساخرًا وعاطفيًّا، وتعتبر تلك الرواية الشعرية هي نقطة انطلاق الدراسة في الصفوف الأدبية التي تدرس الأدب الروسي المعاصر في الجامعة. ولعل السبب في ذلك أن بوشكين خلق في تلك الرواية قالبًا جمَّع فيه غالبية الموضوعات، والشخصيات الأدبية بأنواعها، والأساليب الأدبية التي يبني عليها الأدباء المعاصرين كتاباتهم. ليس من قبيل الصدفة أن تلقب بوشكين بـ” أبي الأدب الروسي الحديث)
ومع ذلك، فإن السياسة بوسيلة او بأخرى تخللت الرواية والشعر الروسي باشكال متنوعة و بطريقة لم يوجد لها مثيل في أي بلد أوروبي آخر. اما الأدب المسيس والنقد الأدبي، فقد أفسده المثقفون الروس باختياراتهم. فقد اعتاشوا على الصراع الدائر بين الناقد الكبير فيساريون بيلينسكي (1811 - 1848 هو ثوري وناقد أدبي وعالم جمال روسي. ولد بلنسكي في سفيبورج من أسرة طبيب، ودرس الأدب في جامعة موسكو من 1829 حتى 1832، ثم التحق عام 1833 بمجلة "تلسكوب" التي نشرت أول مقالة مهمة له، وتولى تحرير مجلة "موسكو فسكي نابليو داتيل"، ثم انتقل عام 1839 إلى مدينة سان بطرسبورغ وعمل في مجلة "اوتتشستفني رابسكي"، وفي 1846 أصبح الناقد الرئيسي لمجلة "سوفرمنيك"، وانتقد بلنسكي في مقالته "رسالة إلى غوغل" حكم الأقلية والكنيسة الاورثوذكسية. وعارض الرواية الرومانسية ودعا إلى الواقعية)والكاتب والروائي نيكولاي جوجول(كاتب روسي يُعد من آباء الأدب الروسي. وُلد عام 1809 وتوفى عام 1852. من أعماله الأكثر شهرة رواية النفوس الميتة وقصته القصيرة المعطف، بالإضافة إلى المسرحيتين الكوميديتين المفتش العام وخطوبة.) حول رواية النفوس الميتة التي صدرت في عام 1842(جسَّد الكاتب فيها اوضاع المجتمع الروسي و بالأخص الاقطاعيين الملاك في القرن التاسع عشر في فترة من تاريخ روسيا القيصرية حين كان النظام الساري في العمالة بالأرض الزراعية هو نظام القنانة و هو أحد الأنظمة الاستعبادية المعدلة عن الرق حيث يكون القن غير مملوك بذاته لصاحب الأرض و لكن عمله يكون مملوكا للمالك على أن ينال أجرا رمزيا بالاضافة لطعامه و شرابه و كانت الأراضي الزراعية و المزارع الضخمة تقاس بعدد الأقنان (الأنفس ) اللازمة لخدمة هذه المزارع فيقال عن المالك انه يملك الف نفس (قن) أو عشرة ألاف نفس (قن) فيفهم من ذلك مدى المساحة الزراعية التي لديه على اعتبار ان الهكتار الواحد يحتاج لعدد معين من الأنفس.
والفكرة الجهنمية التي راودت عقل تشيتشيكوف (بطل الرواية) الموظف البسيط أن عدد الأنفس المملوكة للأشخاص لا يتم معرفتها بالتحديد الا في سنه الاحصاء السكاني و الذي يتكرر كل عشرة سنوات و بالتالي فاذا ماتت انفس خلال هذه الفترة فانها تظل موجودة على الورق فقط دون وجودها حقيفة و بالتالي سعى الى جولته الشهيرة من أجل شراء الأنفس الميتة من المالكين الأصليين بثمن بخس مقابل أن يقال أنه يملك عدد كبير من الأنفس و بالتالي يكون من النبلاء ) والهبت هذه الرواية الحماس في جميع انحاء روسيا حتى انها كانت تُقرأ بصوت عالٍ للأميين.
ومع ذلك، ثبت أن هذا النجاح جعل غوغول يتراجع. وفي أعماله اللاحقة، بدأ يكتب قصصا عن الفلاحين ذوي الرائحة الكريهة، والدفاع عن الأمية.و في مقدمة الطبعة الثانية من روايته "النفوس الميتة "، كتب غوغول يقول : "لقد كان الكثير مما كتب في هذه الرواية خطأ، فلا تجري الأمور هكذا فعلا في الأرض الروسية. أطلب منك عزيزي القارئ، تصحيح ذلك . لا تتجاهل هذه المسألة. أطلب منك أن تفعل ذلك. "
وقد غضب بيلينسكي منه بعد الجدال الذي حدث علناً معه في عام 1847.وقد نشر بلينسكي على نطاق واسع مقالة له بعنوان"رسالة إلى غوغول" مما جعل غوغول يمضي ليلة طويلة بلا نوم:
في السنوات اللاحقة، أصبح النقاد أكثر شراسة، ولم يرضوا عن اعمال عديدة لروائيين وكتاب مسرحيين.
في مثل هذا الجو الفكري ولد لينين. وكان والده، رجلا مثقفا جدا ، يعمل في منصب كبير مفتشي المدارس في منطقته ويحظى باحترام الكثيرين. وكان يجمع ابناءه ظهيرة كل يوم أحد ،ليقرأ لهم اعمال شكسبير، وغوته وبوشكين، . لذلك كان من المستحيل لفرد من عائلة أوليانوف - "لينين" كان اسما مستعارا استخدمه ليخدع الشرطة السرية القيصرية – ان لا يكون قد قرأ أحد الاعمال الادبية العظيمة تلك.
اثناء دراسته الثانوية، وقع لينين في حب اللغة اللاتينية. وعقد عليه مدير مدرسته آمالا كبيرة في أنه قد يصبح استاذا كبيرا وعالما في اللغة اللاتينية. لكن مشيئة التاريخ ستجري خلاف ذلك، ولكن شغف لينين بالللاتينية، واستمتاعه للاعمال الكلاسيكية، لم يفارقه ابدا. فقد قرأ اعمال فيرجيل، وأوفيد، وهوراس و جوفينال بلغتها الأصلية،. والتهم مؤلفات غوته (1749 – 1832) وهو أحد أشهر أدباء ألمانيا المتميزين، والذي ترك إرثاً أدبياً وثقافياً ضخماً للمكتبة الألمانية والعالمية، وكان له بالغ الأثر في الحياة الشعرية والأدبية والفلسفية، وما زال التاريخ الأدبي يتذكره بأعماله الخالدة التي ما زالت أرفف المكتبات في العالم تقتنيها كواحدة من ثرواتها، وقد تنوع أدب غوته ما بين الرواية والكتابة المسرحية والشعر وأبدع في كل منهم، واهتم بالثقافة والأدب الشرقي واطلع على العديد من الكتب فكان واسع الأفق مقبلاً على العلم، متعمقاً في دراساته. )خلال سنوات منفاه التي قاربت العقدين ، وإعاد قراءة مؤلفه (فاوست) عدة مرات(و فاوست هو الشخصية الرئيسية في الحكاية الألمانية الشعبية عن الخيميائي الألماني الدكتور يوهان جورج فاوست الذي يحقق نجاحاً كبيراً ولكنه غير راضٍ عن حياته فيُبرم عقداً مع الشيطان يسلم إليه روحه في مقابل الحصول على المعرفة المطلقة وكافة الملذات الدنوية . وأصبحت هذه القصة أساساً لأعمال أدبية مختلفة لكتاب مختلفين حول العالم وكان غوته واحدا منهم حيث كتب مسرحية تحمل اسم فاوست تقع في فصلين: الجزء الأول نُشر للمرة الأولى في عام 1808، والجزء الثاني نُشر للمرة الأولى في 1832 وهو العام الذي توفي فيه غوته. على الرغم من أن المسرحية حققت نجاحاً باهراً إلا أنها نادراً ما كانت تؤدى على المسرح، لكنها حصدت أكبر جمهور في المسارح الألمانية. ويعتبر "فاوست" عمل غوته الأكثر شهرة ويضعه الكثيرون ضمن أعظم الأعمال الأدبية في تاريخ الأدب الألماني.
أنهى غوته الجزء الثاني في عام 1831. وعلى النقيض من الجزء الأول، لم يركز غوته على روح فاوست التي تم بيعها للشيطان، عوضاً عن هذا ركز على الظواهر الإجتماعية مثل علم النفس والتاريخ والسياسة بالإضافة إلى موضوعات فلسفية وصوفية. وهذا الجزء عكس السنوات الأخيرة من حياة غوته، ويلاحظ فيه الغموض وكثرة الخفايا. والجزء بأكمله قائم على قصيدة نظم بعضها قبل صدور الجزء الأول، ونظم الباقي بعد صدوره، وأصدر القصيدة كاملة في عام 1827 واسماها "خيال الظل الكلاسيكي الرومانتيكي". نُشر الجزء الثاني من المسرحية بعد وفاته في عام 1832.).
وقد استثمر لينين معرفته باعمال الادب الكلاسيكي بشكل جيد اثناء تخطيطه لثورة أكتوبر عام 1917. وفي نيسان من ذلك العام، قطع علاقته مع قادة الاشتراكية الديمقراطية في روسيا، ودعا في مجموعة من أطروحاته إلى قيام ثورة اشتراكية في روسيا. وعندما كان ينتقده عدد من رفاقه المقربين. كان لينين يرد عليهم بان يستشهد مقولة ميفيستوفيليس بطل رواية فاوست العمل الرئيسي لغوته: "النظرية، ، رمادية اللون، يا صديقي، ولكن شجرة الحياة خضراء الى الأبد ".
كان لينين يعرف جيدا ان معظم اعمال الأدب الروسي الكلاسيكي كانت مرتبطة دائما بالسياسة. حتى أكثر الكتاب "ابتعادا عن السياسة" وجدوا صعوبة في إخفاء ازدرائهم لحالة البلاد. وكانت رواية (إيفان غونشاروف أوبلوموف) مثالا على ذلك. لقد احب لينين هذا العمل. فقد صور حياة النبلاء.ملاك الاراضي حياتهم الفارغة والتافهة وكسلهم وقد تم الاحتفاء بنجاح الكتاب من خلال إدخالة كلمة جديدة في المعجم الروسي ( اوبلوموفية) التي أصبحت تشير الى تفاهة الطبقة التي ساعدت الاستبداد على البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة. وقد قال لينين في وقت لاحق أن هذا المرض لم يقتصر على الطبقات العليا وحدها، بل أصاب أجزاء كبيرة من البيروقراطية القيصرية وانتقل إلى الفئات الادنى في المجتمع. حتى انصار البلاشفة لم يكونوا في مأمن منه. وكانت القضية ان المرآة التي صنعها غونشاروف كانت تعكس بالفعل حقيقة المجتمع ككل. وفي نقاشاته ، فان لينين كثيرا ما هاجم خصومه عن طريق مقارنتهم بشخصيات غير محبوبة وأحيانا هامشية استمدها من اعمال الأدب الروسي.
وقد اختلف كتّاب روسيا (ولم يكونوا وحدهم في ذلك بالطبع) على الوسائل اللازمة للإطاحة بحكم القيصر.فقد دعم بوشكين انتفاضة ديسمبر 1825 التي تحدّت تنصيب القيصر نيقولا الأول. وسخر غوغول من قمع الاقنان قبل ان يتراجع بسرعة عن موقفه هذا. وكان تورجينيف ينتقد القيصرية لكنه كان يكره بشدة العدميين الذين كانوا يتبنون الإرهاب. وتحولت مغازلة دوستويفسكي مع الإرهاب الفوضوي إلى الاتجاه المعاكس بعد احداث القتل الرهيبة التي حصلت في سان بطرسبورغ. اما هجوم تولستوي ( 1828- 1910) من عمالقة الروائيين الروس ومصلحا اجتماعيا وداعية سلام ومفكرا أخلاقيا وعضوا مؤثرا في أسرة تولستوي ، يعد من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر والبعض يعده من أعظم الروائيين على الإطلاق ،من أشهر أعماله روايتي (الحرب والسلام) و(أنا كارنينا) وهما يتربعان على قمة الأدب الواقعي، فهما يعطيان صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية.)
على الاستبداد الروسي فكان مبعث سعادة لينين، ولكن افكاره التي تجمع بين الصوفية والمسيحية جعلت لينين لا يتحمس لأفكاره . كان لينين يسأل ، كيف يمكن لمثل هذا الكاتب الموهوب أن يكون ثوريا و رجعيا في نفس الوقت؟ وخلال مجموعة من المقالات ، قام لينين بتحليل التناقضات العميقة في اعمال تولستوي. استطاع تولستوي حسب ما يقول لينين ان يعرض تشخيصا واضحا لعلل روسيا – كانت رواياته تصف الاستغلال الاقتصادي والغضب الجماعي للفلاحين - ولكن دون ان يقدم العلاج. فبدلا من تخيل مستقبل ثوري صحيح، سعى تولستوي إلى الحصول على عزاء في صورة طوباوية لمسيحية بدائية للغاية. وفي مؤلفه "ليو تولستوي كمرآة للثورة الروسية"، كتب لينين يقول "التناقضات في آراء تولستوي ومذاهبها ليست من قبيل الصدفة، فهي تعبر عن الظروف المتناقضة للحياة الروسية في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ". وهكذا كانت تناقضات تولستوي بمثابة دليل مفيد لتحليل لينين السياسي.
وفي الوقت نفسه، كان لينين يستهجن "عبادة المعاناة" لدى دوستويفسكي(1821 – 1881) واحد من أكبر الكتّاب الروس ومن أفضل الكتاب العالميين، وأعماله كان لها أثر عميق ودائم على أدب القرن العشرين.شخصياته دائماً في أقصى حالات اليأس وعلى حافة الهاوية، ورواياته تحوي فهماً عميقاً للنفس البشرية كما تقدم تحليلاً ثاقباً للحالة السياسية والاجتماعية والروحية لروسيا في ذلك الوقت.العديد من أعماله المعروفة تعد مصدر إلهام للفكر والأدب المعاصر) على الرغم من أنه لم ينكر قوة كتاباته. غير أن آراء لينين بشأن الأدب لم تصبح مع ذلك سياسة تعتمدها الدولة. وبعد أقل من عام من الثورة، في 2 آب 1918، نشرت صحيفة ازفستيا قائمة من الاشخاص،الذين اختارهم القراء، لتقام لهم نُصب تذكارية . وجاء دوستويفسكي في المركز الثاني بعد تولستوي. وقد ازيح الستار عن النصب التذكاري لدوستوفسكي في موسكو في تشرين الثاني من ذلك العام من قبل ممثل مجلس سوفييت موسكو ، والقلا الشاعر فياتشيسلاف ايفانوف وهو من شعراء المدرسة الرمزية قصيدة تكريم لذكرى دوستوفسكي .
اما الكاتب الذي ربما كان له أكبر تأثير على لينين - وفي الواقع، على جيل كامل من المتطرفين والثوريين – فقد كان نيكولاي تشيرنيشيفسكي. كان تشيرنيشيفسكي ابن كاهن، فضلا عن كونه فيلسوفا ماديا واشتراكيا. وألّف روايته الطوباوية ما العمل؟ في قلعة بيتر وبول في سان بطرسبورغ، حيث كان قد سُجن بسبب معتقداته السياسية. اصبحت روايته هذه بمثابة الكتاب المقدس للجيل الجديد. وحقيقة أنه تم تهريبه من السجن أعطاه هالة إضافية. هذا الكتاب هو الذي جعل لينين يعتنق افكارا متطرفة ، قبل ان يتعرف على افكار ماركس (الذي كان تشيرنيشيفسكي قد تبادل معه الرسائل). وكنوع من الامتنان والاحترام لهذه الشخصية الجماهيرية و الجريئة والشجاعة ، فان أول عمل سياسي كتبه لينين ونشر في عام 1902، كان بعنوان ما العمل؟
النجاح الهائل لرواية تشيرنيشيفسكي أثار غضبا شديدا لدى الروائيين الكبار وخصوصا تورجينيف ، الذي هاجم الكتاب بشراسة. كما شنت حملة هوجاء ضده من قبل نقاد معروفين آنذاك امثال دوبروليوبوف و بيساريف. كان تورجينيف غاضبا.وحين التقى بتشرنيشيفسكي في احد الامكنة العامة صاح بوجهه : "أنت ثعبان و دوبروليوبوف أفعى".
وبكل تأكيد كان هناك نوع من الغطرسة الطبقية في مواقف الكتاب المعاصرين نحو تشرنيشيفسكي لانه شخص من عامة الناس" و، على وجه الخصوص، فأن "تولستوي وتورجينيف وصفوه " مثل عثة نتنة ملتصقة برجل نظيف "... وسخروا منه بشتى الوسائل ".
وتعود سخريتهم منه في جزء منها الى شعورهم بالغيرة، لأن موقفهم المتعجرف نال شعبية كبيرة بين الشباب، وولّد أيضا، في حالة تورجينيف، نوع من العداء السياسي العميق والمتجذر للكاتب الذي أراد ان تحدث ثورة تنتزع الاراضي من الملاكين وتوزيعها على الفلاحين.
كان لينين لا يتفق مع آراء البلاشفة الشباب الذين كانوا يزورونه في المنفى، خلال السنوات الثورية بين عامي 1905 و 1917، حول الرواية وقد غضب عندما اخبروه ان كتاب تشيرنيشيفسكي لا يستحق القراءة. وقد رد بشكل عنيف على ذلك بالقول انهم أصغر من أن يقدروا عمق رؤيته. ويجب أن ينتظروا حتى يبلغوا 40 عاما. حتى يفهموا أن فلسفة تشيرنيشيفسكي كانت مبنية على حقيقة بسيطة: ان الحياة قصيرة، ومن هنا يتحتم تحقيق السعادة لكل فرد. لم يكن هذا ممكنا في عالم يهيمن عليه الجشع والكراهية والحرب والأنانية والصراع الطبقي. وهذا هو السبب في ضرورة وجود ثورة اجتماعية. وحينما كان البلاشفة الشباب يتسلقون الجبال السويسرية برفقة لينين كان قد بلغ عامه الاربعين ، ومع ذلك، فإن الثورة قد وقعت بالفعل. وسوف يُقرأ تشيرنيشيفسكي الآن بشكل اعمق من قبل المؤرخين الذين يدرسون تطور فكر لينين..
كان الادب الكلاسيكي المتجذر بعمق في داخل لينين بمثابة حصن يحميه من التطورات الجديدة والمثيرة في الفن والأدب التي سبقت ورافقت الثورة. ووجد لينين أنه من الصعب ادخال الحداثة في روسيا أو حتى في أي مكان آخر. وكانت اعمال الفنانين الطليعيين - ماياكوفسكي وفناني المدرسة البنائية الروسية – لا تلائم ذوقه.
وكان من الهراء بالنسبة له ان يخبره الشعراء والفنانون أنهم أحبوا ايضا بوشكين وليرمونتوف، لكنهم ليسوا ثوريين ، وان تحدي الأشكال الفنية القديمة وإنتاج شيء مختلف جدا وجديد كان أكثر انسجاما مع البلشفية وزمن الثورة. ولكن لينين كان يرفض لانه يعتقد ان هذه الاعمال وببساطة لن تنجح. وكان يتساءل ان بامكانهم كتابة ورسم ما يريدون، ولكن لماذا يجبرونه على تقدير اعمالهم تلك؟ وكان العديد من زملاء لينين أكثر تعاطفا مع الحركات الفنية الجديدة. فبوخارين، ولوناشارسكي، وكروبسكايا، وكولونتاى، والى حدٍ ما، تروتسكي ادركوا كيف أن شرارة الثورة فتحت آفاقا جديدة. كانت هناك صراعات وتناقضات داخل الحركة الطليعية أيضا، وكان احد مؤيديهم في الحكومة هو أناتولي لوناشارسكي رئيس المفوضية الشعبية للتعليم، حيث كانت تعمل ناديجدا كروبسكايا زوجة لينين أيضا. وأدى النقص في الورق أثناء الحرب الأهلية إلى بروز جدالات عنيفة. هل يجب طبع منشورات دعائية أم قصيدة جديدة لماياكوفسكي؟ وأصر لينين على الخيار الأول. وكان لوناشارسكي مقتنعا بأن قصيدة ماياكوفسكي ستكون أكثر فعالية بكثير، وفي هذه المرة، انتصر رأيه.
وكان لينين معاديا لأية فكرة عن "الأدب والفن البروليتاري"، وأصر على أن قمم الثقافة البرجوازية (وأسلافهم القدماء) لا يمكن تجاوزهم بالصيغ الميكانيكية والقديمة التي تطبق في بلد حيث مستوى الثقافة، فيه كان منخفضا جدا الى حد كبير. وليس هناك حاجة الى استثناءات في هذا المجال ، وهو ما ثبت بشكل قاطع مع "الواقعية الاشتراكية" الهراء الذي تم تبنيه في السنوات السيئة التي أعقبت وفاة لينين فقد تم خنق الإبداع. والقفزة من مملكة الضرورة إلى مملكة الحرية، حيث يسود المنطق والعقل طريقة عيش الناس ، لم تتحقق أبدا لا في الاتحاد السوفييتي ولا في أي مكان آخر.
عن: الغارديان