كثيراً ما دوختنا مفردة (توأمة) التي يلهج بها محافظو المدن العراقيين، أثناء زياراتهم للمدن التي يدعَون لها، عربية وعالمية، ولطالما ساورنا شعور واجتاحتنا غبطة بأنهم سيحوّلون مدننا الى ما يشبه كبريات المدن في آسيا واوروبا وغيرها، ولعلي أذكر أنَّ الدكتور خلف عبد الصمد (حزب الدعوة) قال بعد عودته من زيارة مدينة هيوستن بأمريكا: " عملنا اتفاقية على توأمة البصرة بهيوستن" ومثل اطفال حالمين، رحنا نصف شوارعنا القادمة والمتنزهات والبنايات العالية والمصانع وصورة انساننا القادم، بما يشبهها هناك، أليست هذه هي معاني التوأمة؟
ولأن (توأمة المدن) مصطلح مغرٍ وسياسة راسخة في مبادئ الاحزاب الاسلامية(ع) فقد أضاف محافظ البصرة الحالي د. ماجد النصراوي (المجلس الأعلى)معنى جديداً له حين زار محافظة خوزستان( الأهواز) حيث قال مع ما قال :" اتفقنا مع المسؤولين الايرانيين على توأمة مدينة البصرة بمحافظة خوزستان". يا الله، وهذه بشرى اخرى يضيفها لنا، هذا حلم آخر سنحلم به، ذلك، لأننا لم نر الاحواز من قبل، فقد قلنا، لِمَ لا، فهذا حلم بسيط ، وحال الاحواز لا يختلف كثيرا عن حال البصرة، وإذا استطاع محافظنا ان يجعل البصرة مثل الاجواز، فهذه واحدة من منجزاته العظيمة، لكننا، وبعد اكثر من ثلاث سنوات على قولة المحافظة، وخلال زيارتنا للاحواز، لم نجده قد أفلح في توأمته، فالاحواز مدينة بمعنى الكلمة، وهكذا، خابت ظنوننا، وظلت البصرة على حالها (تشبه هيوستن) !!!
خلال ثلاثة أيام التي امضيتها في مدن الاحواز الجنوبية (عبادان،المحمرة، الفلاحية) ومن ثم دخولي مركز المحافظة والتجوال الطويل فيه، ومع إقراري بان الحكومة الايرانية لم تولِ مدن الجنوب العربي الاهتمام، الذي توليه للعاصمة وبقية المدن الرئيسية (طهران ومشهد واصفهان وشيراز وو) إلا انني اقول للمحافظ: سيدي أنك توأمت البصرة مع الناصرية والعمارة وواسط والسماوة والديوانية ووو لا أكثر، إذ من غير المعقول، أنك وحكومتك لم تتمكنوا من توأمة شوارع المحمرة والفلاحية مع شوارع الجمهورية وخمسة ميل وبريهة، لم تستطع توأمة الحديقة التي عند مدخل المنفذ الحدودي في الشلامجة الإيراني بحديقة او بساحة جرداء في منفذ الشلامجة العراقي، بل لم تتوئم الجادة الصغيرة التي حملت عليها حقائبي وأنا خارج من المنفذ الايراني بالجادة الصغيرة التي حملت عليها ذات الحقائب وأنا داخل المنفذ العراقي، والله لن ولم تتوئم موظف الحدود العراقي بمثيله الايراني.
منذ أربعة أيام وانا في طهران، في رحلة علاج لابنتي، اتنقل بالسيارة بين عيادة الطبيب هذا والمسشتفى ذاك، أعبر الشارع هذا وادخل الحديقة تلك، ادخل المطعم والفندق والشقة والكراج، وأقف على الرصيف هذا، وادخل المتجر ذاك، أتفحص الأثاث في الدوائر والمؤسسات والبيوت، فلا أقع على شبيه له في البصرة عامة، اتعامل مع الناس فلا أجد سلوكاً يشبه السلوك والتحضر، أبحث عن الحرية والطمانينة والرخاء في وجوه النساء والشيوخ والاطفال فلا أجد ما يشبهه في البصرة، أمسك الريموت كنترول وأقلب في قنوات التلفزيون وأجدُّ البحث عن قناة تلطم وتصرخ وتصيح وتستغيث بالظليمة او أنها تبث الحزن والمأساة والطائفية ساعة من النهار فلا أجدها، أمشي في الشوارع، أفتش عن يافطة سوداء لعزاء وسط الشارع، فلا أرى غير الاشجار والخضرة والورود. نعم، الاشجار والخضرة والورود، هذه التي تغطي طهران من أعلاها الى اسفلها ومن شرقها الى غربها. لذا ساكون ملزماً بالقول لمحافظي مدننا في الوسط والجنوب بخاصة : اخجلوا، واستحوا من شعبكم حين تتحدثون عن التوأمة. والله لو نزل ميكائيل واسرافيل ومعهما رهط الملائكة أجمعين وأرادوا احصاء عدد الورود في طهران وحدها، لما جاءوا برقم صحيح .
توأمة الوهم عنـد محافظي البصرة
[post-views]
نشر في: 18 إبريل, 2017: 09:01 م