يختار المخرج الشاب مجد حميد، الصورة، بثباتها ودلالاتها، ليسرد بها يوميات الكارثة.. بعد أن اعيته السبل وهو بصدد البحث عن فكرة لفيلمه ذي الدقائق الثلاث، في ايجاد فكرة أخرى تقارب هول الكارثة وتحكي عن مأساة نعيشها بشكل يومي.
ولأن السينما صورة قبل كل شيء، كان عليه أن يختار هذه الصورة وموضوعها لدرجة اصبحت فيها هذه الفكرة هي الفيلم كله.. فكرة أن نوثّق مأساتنا بالصور نعيشها، نحاكيها، نستل منها تأريخاً من الحنين يدرك مجد حميميته من صورة والده أو جده، وهو يتسمر أمام الصندوق الخشبي.
الصورة عندما تكون ومضة يصطادها صندوق خشبي، يسرق الضوء من خلال ثقب صغيرة فتصبح الحياة ومضات متصلة للحزن والفرح والقلق.. ومضات لمرحلة تتقاذفها الأقدار.. تتقاذفها الحروب..
نقف أمام هذه الكاميرا فنتضاحك، بينما تختلس الحروب النظر لنا وهي تتوعد أفراحنا الصغيرة وننتظر طالما أن الوقت كله لها.. فتبطش بالأب، وتسرق الابن بينما الصندوق الخشبي يلتهم الكثير من الحيوات في زمن نعرفه وصار لصيق حياتنا..
يختار مجد حميد الصورة أو قل كيف تكون أوضاعنا في الصورة لا حركة، لاهمسة بل لانفس.. لكنها كافية لأن تتحدث عن زمن طويل من الكوارث.. زمن طويل من المعاناة أيامنا التي اقتنصها ذلك الصندوق الخشبي من عريسين غادرا عش الزوجية تاركين نطفتهما تتدور، وتكبر حتى يحين دورها امام الصندوق الخشبي، الكاميرا أو التابوت.
لم يفعل مجد حميد وهو يصنع هذه الصورة سوى انه رصد المصور بصندوقه الخشبي وراقب ضحايا الحروب وهم يتلذذون بسحر الصورة أو كارثيتها.
فكانت سلسلة من الصور المتتابعة – كجروحنا- بحيث تكون ذا معنى واحد ساخر أو ناقد أو حزين.
الصورة هنا تتعلق بقوة المعنى يحط بها النص الذي يسهم في تأطيرها كما يرى رولان بارت، ليس وصفاً دقيقاً لمركبات الصورة المختلفة كما تراها العين، بل كما يشعر بها المكتوي بمآسي الحروب والكوارث، وكأننا هنا نسلم بما اكتشفه بيكاسو من كون الصورة تحررنا من كل حكاية بل ومن الذات أيضاً.
وهذا لم يمنعه -أي بيكاسو- من استقاء الغورنيكا من صورة في الصفحة الأولى لجريدة فرنسية.. لقد جسد بيكاسو اهوال الحرب في لوحة لا تتعدى ابعادها مئات من السنتمترات، وجسد مخرج (مصور بغداد) اهوال الحرب في لوحة ابعادها 3 دقائق.
مجد حميد صاغ فكرته بما يجعلها تستوعت حكاية الحرب أو الحروب التي لا تستطيع توثيقها الا بصورة مجعّدة وكأن هذه الصورة تسجل المتورطين في الجرائم كما تقول سوزان سونتاغ..
صورة الشاب مجد حميد في (مصور بغداد)، توفرت لها عناصر النجاح، بدءاً بممثلين محترفين استطاعوا أن يضيفوا الى الفيلم ما لم يستطع أقرانه أن يفعلوه، مثل الاء نجم وإياد الطائي .. فضلاً عن المونتاج المتناغم مع السيناريو.
انها تجربته الأولى في السينما وهي تجربة وضعته أمام مسؤولية كبيرة ستظهر حتماً في أعماله اللاحقة.
مصوّر بغداد يوميات الكارثة
[post-views]
نشر في: 26 إبريل, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...