TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مصوّر بغداد يوميات الكارثة

مصوّر بغداد يوميات الكارثة

نشر في: 26 إبريل, 2017: 09:01 م

يختار المخرج الشاب مجد حميد، الصورة، بثباتها ودلالاتها، ليسرد بها يوميات الكارثة.. بعد أن اعيته السبل وهو بصدد البحث عن فكرة لفيلمه ذي الدقائق الثلاث، في ايجاد فكرة أخرى تقارب هول الكارثة وتحكي عن مأساة نعيشها بشكل يومي.
ولأن السينما صورة قبل كل شيء، كان عليه أن يختار هذه الصورة وموضوعها لدرجة اصبحت فيها هذه الفكرة هي الفيلم كله.. فكرة أن نوثّق مأساتنا بالصور نعيشها، نحاكيها، نستل منها تأريخاً من الحنين يدرك مجد حميميته من صورة والده أو جده، وهو يتسمر أمام الصندوق الخشبي.
الصورة عندما تكون ومضة يصطادها صندوق خشبي، يسرق الضوء من خلال ثقب صغيرة فتصبح الحياة ومضات متصلة للحزن والفرح والقلق.. ومضات لمرحلة تتقاذفها الأقدار.. تتقاذفها الحروب..
نقف أمام هذه الكاميرا فنتضاحك، بينما تختلس الحروب النظر لنا وهي تتوعد أفراحنا  الصغيرة وننتظر طالما أن الوقت كله لها.. فتبطش بالأب، وتسرق الابن بينما الصندوق الخشبي يلتهم الكثير من الحيوات في زمن نعرفه وصار لصيق حياتنا..
يختار مجد حميد الصورة أو قل كيف تكون أوضاعنا في الصورة لا حركة، لاهمسة بل لانفس.. لكنها كافية لأن تتحدث عن زمن طويل من الكوارث.. زمن طويل من المعاناة أيامنا التي اقتنصها ذلك الصندوق الخشبي من عريسين غادرا عش الزوجية تاركين نطفتهما تتدور، وتكبر حتى يحين دورها امام الصندوق الخشبي، الكاميرا أو التابوت.
لم يفعل مجد حميد وهو يصنع هذه الصورة سوى انه رصد المصور بصندوقه الخشبي وراقب ضحايا الحروب وهم يتلذذون بسحر الصورة أو كارثيتها.
فكانت سلسلة من الصور المتتابعة – كجروحنا- بحيث تكون ذا معنى واحد ساخر أو ناقد أو حزين.
الصورة هنا تتعلق بقوة المعنى يحط بها النص الذي يسهم في تأطيرها كما يرى رولان  بارت، ليس وصفاً دقيقاً لمركبات الصورة المختلفة كما تراها العين، بل كما يشعر بها المكتوي بمآسي الحروب والكوارث، وكأننا هنا نسلم بما اكتشفه بيكاسو من كون الصورة تحررنا من كل حكاية بل ومن الذات أيضاً.
وهذا لم يمنعه -أي بيكاسو- من استقاء الغورنيكا من صورة في الصفحة الأولى لجريدة فرنسية.. لقد جسد بيكاسو اهوال الحرب في لوحة لا تتعدى ابعادها مئات من السنتمترات، وجسد مخرج (مصور بغداد) اهوال الحرب في لوحة ابعادها 3 دقائق.
مجد حميد صاغ فكرته بما يجعلها تستوعت حكاية الحرب أو الحروب التي لا تستطيع توثيقها الا بصورة مجعّدة  وكأن هذه الصورة تسجل المتورطين في الجرائم كما تقول سوزان سونتاغ..
صورة الشاب مجد حميد في (مصور بغداد)، توفرت لها عناصر النجاح، بدءاً بممثلين محترفين استطاعوا أن يضيفوا الى الفيلم ما لم يستطع أقرانه أن يفعلوه، مثل الاء نجم وإياد الطائي .. فضلاً عن المونتاج المتناغم مع السيناريو.
انها تجربته الأولى في السينما وهي تجربة وضعته أمام مسؤولية كبيرة ستظهر حتماً في أعماله اللاحقة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram