يُراد من الإعلامي في هذه الفترة بالذات ان يكون فاعلاً في زرع بذور المصالحة الوطنية والدعوة الى نبذ التفرقة والكراهية ..وكوني إعلامية أرى ان الاعلامي لن يكون جزءا فاعلا من الحل لمشكلة خلقها السياسيون وتجذرت في النفوس العراقية ، فالمواطن لم يكن يوما سببا في خلق الطائفية والتفرقة ومثله الاعلامي الذي حاول أن ينأى بنفسه عن صراع السياسيين وأن يقدم خطابا معتدلا ، لكن الاعلام في بلدي مهنة وليس رسالة ولذا يخضع الاعلامي غالبا لتأثير لقمة العيش ، ومن يقدمها له يطالبه حتما بانتهاج خطاب يلائم توجهات مطبوعه او قناته الفضائية لهذا نجد ان مَن ينتهج مبدأ الوطنية وينادي بها يكتشف احيانا بأنه متهم بعدم الانحياز لعرقه او طائفته...
ولأن كل اعلامي حريص على ألا يفقد جمهوره وكل جهة اعلامية تجتهد في كسب اكبر عدد من المتابعين لها فعلى الاعلامي اذن أن يعلن الولاء لمصدر رزقه أو يصبح عائما بين الحرمان من لقمة العيش واللعب بالكلمات ليرضي ضميره الى حدٍ ما ويرضي اولياء نعمته وجمهوره بدرجة أكبر ..أما حين يتبنى الاعلامي مشروعا يشترط تقبّل الآخر والسعي لمحو الافكار الجاهزة والاتيان ببديل معتدل فلن يجد تأييدا ممن اعتاد العيش على موائد تلك الافكار الراسخة في العقول والنفوس والتي تجد لها غالبا اوعية فارغة لاستيعابها من عقول البسطاء والمثقفين على حدٍ سواء ..فالمواطن البسيط يفضل أن يكون مسيّرا وليس مخيّرا وأن يتبع فريقا ما ليلقي بالمسؤولية عليه متخلصا من جرأة الاختيار وشجاعة الحرية ..أما المثقف فهو محكوم بعقدة الخوف من تبني الافكار الجديدة والمناداة بتغيير حقيقي لأنه سيكتشف اخيرا انه وحيد في الساحة ولن يجد معينا له ينقذه من الفهم الخاطىء الذي يجعله عرضة للخروج من جلباب اولياء نعمته او خسارة رضى القراء والمسؤولين وقد يتجاوز الأمر عدم الرضى الى الاتهام والمحاسبة والادانة ..وهكذا يؤمن الاعلامي تدريجيا بالمثل الشعبي ( ابعد عن الشر وغنيله) ليواصل مسيرته المهنية التي تنقلب توجهاتها احيانا 180درجة في حالة انتقاله من صحيفة الى اخرى أو من قناة الى اخرى فهو أسير توجهات تلك الجهة الاعلامية وعليه أن يرتدي لباسها أو يصبح اسما منسيا ..
مع ذلك ، هنالك من يطالب المثقف والاعلامي خصوصا أن يقوم بدوره في تهيئة التربة الصالحة لاستقبال المصالحة والتسوية والتغيير لكني اصر على الاعتقاد بأن هذه ليست مهمة اعلامية او تثقيفية فمازالت هذه الشريحة قريبة من الجهات السياسة التي تدين لها بالولاء وبعيدة عن المواطن ..وبالتالي فلن يجدي الخطاب الاعلامي في احداث فرق كبير لدى شعب كسول واتكالي يؤمن بنظرية (ضعها برقبة عالم ..واطلع منها سالم )...لكن المثير للسخرية في الأمر كله اننا وضعنا مقدراتنا برقبة العلماء منذ أن ابتلينا بنعمة الديمقراطية وحرية الاختيار والقرار ..ولم نخرج منها سالمين حتى هذه اللحظة ..فهل سينجح الإعلام المستلب اصلاً في انتشالنا من سلبيتنا وغبائنا؟
ضعها برقبة عالِم!!
[post-views]
نشر في: 28 إبريل, 2017: 09:01 م