المواطن يمتنع عن تسديد أجور الكهرباء لأن موظفي الحكومة العراقية، وعلى مدى الـ عقد ونصف الماضي هم الذين سرقوا المبالغ المخصصة للكهرباء، عبر الشركات الوهمية والفاشلة والمقاولين المرتبطين بأحزابها، وبمعنى آخر فالحكومة التي انفقت 46 مليار دولار هي سرقت اموال الكهرباء، لذا فهو يشعر بانه غير ملزم بدفع امواله للصوص. والاسرة لا تثق بالتعليم الحكومي لأنها تعتقد بان التعليم الاهلي أفضل، في معادلة أساسها السرقة، فالحكومة التي خصصت المليارات للتعليم سرقتها أيضاً، عبر مقاولين مرتبطين بها، والمواطن نفسه يدفع من ماله وقوت عائلته للمستشفى الأهلي لأنه يعتقد جازماً بان المستشفى الحكومي ومن خلال "نعال" وزيرة الصحة غير قادر على تأمين حياته التي تُسرقُ في اغلب المفاصل الحكومية.
والمواطن نفسه ذهب يستقوي بعشيرته، يدفع من ماله وقوت عياله ثمن الاسلحة التي استقوى بها على الحكومة نفسها، لا لشيئ، إنما لإعتقاده بان الحكومة ظالمة له، وهي لن تنصفه ما لم يكن أقوى منها، ولم يكتف بذلك، بل ذهب الى الحزب المسلح، في محاولة لتدعيم قوته، وزيادة في جبروته أمام القبائل والاحزاب المسلحة الأخرى، ذلك لأن الحكومة عطّلت القانون الذي يحميه، بل هي التي راحت تقترح القوانين التي تذله وتفقره وتقتحم بها منظومة أمنه، حتى انتفخ رجل السلاح، داخل الحزب المسلح مثلما انتفخ رجل القبيلة المسلح داخل القبيلة المسلحة، الأمر الذي قوض سلطة القانون وجعل من رجل القضاء يستجير ويستنجد بالحزب إن داهمه رجل القبيلة، مثلما يستجير ويستنجد برجل القبيلة إن داهمه رجل الحزب، في متوالية انتزعت ثقة المواطن بحياة آمنة مطمئنة قرب عياله.
الحكومة خرَّبت الأرض الزراعية وأخرجت قطاع الزراعة من كونه مصدرا للعيش في معظم القرى القريبة من المدن، وحولت البساتين الخضر الى مساكن ومحال وشوارع، ذلك لأنها اهملت قطاع السكن، وتركت المواطن بيد الغيب، فهو يتدبر أمره بحسب ظروفه، هكذا فعلت في في البصرة وكربلاء وديالى وبغداد، ولكي تجهز (الحكومة)على كامل حياة المواطن، فقد اخرجت قطاع الصناعة من كونه قطاعا منتجاً ومساهما في دعم اقتصاد البلاد، وهي التي قوضت فرص النهوض في معظم مفاصل الحياة، بل وهي التي حولت مشروع الديمقراطية الى اتفه ديمقراطية في العالم بعد أن تقاسمت أحزابها الحصص الوظيفية داخل مفوضية الانتخابات، وهي التي عطلت قانون الاحزاب، وحولت أرقى ما انتجه العقل الانساني من أفكار في مجالات كثيرة كالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة ومفاهيم مثل الأمن الاهلي والحرية الشخصية وحرية المعتقد الى أسخف ما في ذهن المواطن من طموحات.
بصراحة لا يمكننا الحديث عن مواطن عراقي نزيهه، لأن مفهوم النزاهة بات ملتبساً، فهو من وجهة نظر عراقية خالصة(زُوُجْ، غبي، زمال، ميفتهم، بايخ...) والذي أوصل الحال الى النقطة هذه، هي الحكومة الدينية بأحزابها ونظامها القبلي والمناطقي، نفسها فهي التي جعلت من غالبية مواطنيها ابعد العالمين عن الايمان إن لم نقل الاقرب الى الكفر، هذه التي سمحت لهم ببناء المساجد والحسينيات وممارسة الشعائر وهيّأت لهم فرص السفر وزيارة العتبات، هي من تسببت في تشكيك مواطنيها بحقيقة الدولة الدينية، بل واعطت لهم المثال السيئ عن فكرة الاسلام ودولة العدل الإلاهية- المحمدية من خلال سرقاتها واستحواذها على الاموال والعقارات ومصادرتها لممتلكات الدولة نفسها ومن خلال شراء الذِّمم وإفساد موظفي الخدمة المدنية!
مَنْ تسبب بإفساد مَنْ المواطنُ أم الحكومة ؟
[post-views]
نشر في: 29 إبريل, 2017: 09:01 م