TOP

جريدة المدى > عام > جلسات ثقافية بلا جمهور.. لماذا؟

جلسات ثقافية بلا جمهور.. لماذا؟

نشر في: 6 مايو, 2017: 12:01 ص

لوحاتٌ معلّقة هنا وهناك في باحة قاعة الفنون التابعة لدائرة الفنون التشكيلية، وحيث يقف اصحابها من الفنانين التشكيليين متفاخرين بأعمالهم المتزاحمة كحشد الحاضرين في تلك القاعة...يستوقفني أن الضيوف الحاضرين لهذا المعرض التشكيلي هم ذاتهم الفنانون المشاركو

لوحاتٌ معلّقة هنا وهناك في باحة قاعة الفنون التابعة لدائرة الفنون التشكيلية، وحيث يقف اصحابها من الفنانين التشكيليين متفاخرين بأعمالهم المتزاحمة كحشد الحاضرين في تلك القاعة...

يستوقفني أن الضيوف الحاضرين لهذا المعرض التشكيلي هم ذاتهم الفنانون المشاركون في المعرض لعرض أعمالهم، وبعضٌ من موظفي دائرة الفنون التشكيلية، اضافة إلى مسؤول رفيع المستوى وهو المتخصص في المجال الثقافي والذي يحضر لافتتاح هذا المعرض، حاولت أن أجد فرداً بسيطاً من متذوقي الفن التشكيلي، أو متابعيه من المتلقين، وجمهور هذا الفن المهم عالمياً والذي يحاول أن يتصدر المشهد الثقافي والفني محلياً، ولكني لم أجد سوى النخب، والصحافيين، ومسؤولي وزارة الثقافة وموظفي دائرة الفنون التشكيلية والفنانين المشاركين...
لم استغرب كثيراً فهذا المشهد وحدثٌ كهذا، بات يكرّر نفسه أمامي في كل جلسة ثقافية، في مختلف المجالات الثقافية، سواء أكانت شعرية، أم سردية، فنون، أم مسرح، سينما أم فوتوغراف، أم معارض تشكيلية، لم أشهد لا في أروقة اتحاد الادباء، ولا حتى في جمعية الفنانين التشكيليين أو منتدى المسرح التجريبي، ولا حتى في باحة المسرح الوطني العراقي، أو أية مؤسسة ثقافية حكومية أو خاصة، حضور المتلقين من الجمهور البسيط والمتابع والمحب لهذه الفنون والثقافات، ما يُشكل لديّ ولكل من يستوقفه هذا الأمر تساؤلات كثيرة، من المسؤول عن انحسار هذه الجلسات والمؤتمرات والمعارض والمهرجانات على النخب، وغياب الجمهور حتى عن حضور مسرحية عراقية، أو معرض تشكيلي، أو امسية شعرية أو موسيقية؟ هل المتسبب هو الجمهور العراقي الذي ماعادت تُشكل الثقافة والفنون ضمن أولوياته؟ أم أن المتسبب هم المسؤولون عن ادارة هكذا جلسات أو عروض، ذلك انهم لم يحسنوا الترويج والتسويق لمعارضهم وجلساتهم، كما انهم لم يحاولوا الوصول لذهن وذائقة المتلقي؟
هذه التساؤلات وغيرها تلك التي تدور حول أسباب غياب الجمهور عن المعارض التشكيلية والعروض المسرحية، والجلسات الادبية والأمسيات الموسيقية، لن يجيب عليها سوى المتلقي والمسؤولين من فنانين ومسؤولي مؤسسات ثقافية، وتشكيليين ومثقفين وأدباء وغيرهم...
"المتلقي البسيط يفضّل التجوّل في المولات، وبذل انفاقاته هنا وهناك على أن يبذل ديناراً واحداً في سبيل شراء بطاقة لحضور معرض تشكيلي أو شراء لوحة تشكيلية"، بالضبط هذا ما جاء في حديث الفنان التشكيلي ورئيس جمعية الفنانين التشكيليين قاسم سبتي.
وأكد سبتي خلال حديثه "أن الثقافة التشكيلية يجب أن تبدأ مع الطفل خلال مراحل دراسته الأولية، وليس بالضرورة أن يكون هذا الفرد ابن عائلة فنية، ولكننا حتى في المدارس بتنا نفقد هذا الحس الذي ننمّي من خلاله ميل الطفل للفن، ولا نعمل على تحفيزه وتطويره لينمو كمتذوق للفن إن لم يكن فناناً في الأقل".
يبدو أن السبب يعود لطبيعة مجتمعاتنا، التي تختلف تماماً عن تقاليد اوربا الثقافية، فيجد سبتي "أن هنالك تقاليد ترافق انتاج العمل الفني، ونحن نفتقر لهذه التقاليد ولا نمتلكها، لأننا ببساطة مجتمع قبلي، رعوي، وفلاحي بسيط".
في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، شهد العراق انفتاحاً ثقافياً وكانت هنالك عوائل تقتني اللوحات التشكيلية كما هي التقاليد الثقافية في اوربا، ويذكر سبتي " لنا ما يقارب الـ120 عاماً على معرفتنا الفن التشكيلي المعاصر من خلال كبار الفنانين التشكيليين الذين طوّروا هذا الفن وجاءوا به من الغرب، امثال عبد القادر رسام ومحمد سليم وجواد سليم وعاصم حافظ وغيرهم".
كثير من الناس هجروا المعارض التشكيلية والمسارح والآماسي الموسيقية، مدير عام دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة شفيق المهدي، يشير الى ذلك قائلاً " كل الحاضرين هم من اصدقاء الفنانين والنخب التشكيلية، وحتى في العروض المسرحية يكون الحاضرون من المختصين".
وأضاف المهدي قائلاً " قد يرمي البعض اللوم على الفنان التشكيلي لأنه لا يصل الى مستوى المتلقي البسيط، ولكن هذه ليست مهمة الفنان التشكيلي، فعلى الجمهور أن يتثقف فنياً لفهم اللوحة التشكيلية، وقد يكون هذا واحداً من اسباب ابتعاد الجمهور عن المعارض التشكيلية".
غياب القاعات المؤهلة لإقامة معرض تشكيلي أو لإقامة جلسات ثقافية، أو عروض مسرحية واحد من الأسباب الرئيسة التي أدت بدورها الى غياب الجمهور، هذا ما أكده المهدي مشيراً الى "غياب المسارح، فنحن نكتفي بالمسرح الوطني ومسرح الرافدين، وغياب قاعات العرض التشكيلية، عدا قاعة كولبنكيان التي تقع في منطقة تضجّ بالزحام وصعوبة وصول الجمهور لها بسبب موقعها المزدحم، إضافة الى انها قاعة صغيرة وقديمة، هذه أيضاً من أهم الاسباب التي أدت الى ابتعاد الجمهور عن ارتياد المعارض".
عصر السوشال ميديا الذي يتوجب أن يكون من اهم وسائل الترويج الإعلامي لهذه الجلسات والعروض والمهرجانات، إلا أن العكس تماماً يحدث هنا، حيث باتت مواقع التواصل الاجتماعي، والسوشال ميديا سبباً رئيساً لإلهاء الناس عن هذه المناسبات الثقافية والفنية، كما يرى ويؤكد مدير منتدى المسرح التجريبي حيدر جمعة، الذي أكد مضيفاً " أن المؤسسات الثقافية القائمة على مثل هكذا معارض ومناسبات ومهرجانات، هم المقصرون بالدرجة الاولى في استقطاب الجمهور بسبب سوء الترويج والتسويق لتلك المؤسسات، اضافة الى غياب الإعلام عن الحدث الثقافي، فبات الإعلام اليوم يبحث عن مشكلات السياسة بدلاُ من أن يسلط الضوء على حدث ثقافي مهم".
تغييب الطبقة الوسطى في المجتمع العراقي هي من أحد أهم اسباب غياب الجمهور الثقافي، وهذه الطبقة هي المتابع الأبرز للثقافة، واقتصاد العراق المهشم، كسّر هذه الطبقة على مر الحكومات، الناطق باسم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، عمر السراي، يؤكد أن أحد اسباب غياب جمهور الثقافة يعود  الى تغييب هذه الطبقة، ويذكر قائلاً " غياب الرخاء العام في الوطن، وتأزم الوضع الأمني، يجعل حضور الفعاليات جانباً كمالياً يشكل مجازفة للناس، كما أن تكدس الأموال بيد الطبقات المغتنية بأساليب غير قانونية من دون اكتمال الدائرة العلمية لهذه الطبقات، و محاربة قوى الإسلام السياسي للثقافة، وتكفيرها وعدّها محرمة، وعدم دعمها بأقل تقدير، بعد احتكار هذه الطبقات للمال العام، اضافة الى  شيوع روح الابتعاد عن الناس في كثير من النتاجات الثقافية، هذا كله قتل روح المتابعة لدى الجمهور، وأدى الى فقر الحركة الإعلامية المتابعة للنشاط الثقافي، وتخصيص ساعات الذروة له".
ولم ينس السراي الالتفات الى المؤسسات الثقافية قائلاً " أن  زيف جانب كبير من المؤسسات الثقافية، أيضاً يعد من الاسباب الرئيسة لابتعاد الجمهور الثقافي، اضافة الى ابتعاد رؤوس الأموال عن الاستثمار الثقافي".
وقد يكون الشاعر عمر السراي، من ضمن أصدق الإجابات وأدقّها واكثرها موضوعية، ليأتي هنا رأي الاكاديمي معتز عناد غزوان والممثل عن جمعية دعم الثقافة، حيث خالف جميع الآراء مؤكداً "أن الجمهور الثقافي حاضر وبشكل كبير وملموس خلال جميع الجلسات الثقافية والعروض الفنية والمعارض التشكيلية".
وأضاف "أن للاعلام حضوره الكبير الذي يجيد الترويج لهذه الجلسات، اضافة الى دور المؤسسة الثقافية العراقية في الترويج للجلسات الثقافية ابتغاء استقطاب الجمهور الثقافي جميعها حاضرة وتعمل على التطوير والنهوض بالواقع الثقافي العراقي".
على ايّة شماعة يمكننا أن نعلق اللوم؟ قد نعلقه على هذا المواطن البسيط الذي بات يتحسر على خبز يسدّ به رمق عائلته بدلاً من أن يدفع ثمن بطاقة تدخله الى مسرحية، أو حفل موسيقي، أو معرض تشكيلي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة
عام

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

د. نادية هناوي جددت المدرسة الانجلو أمريكية في بعض العلوم المعرفية كعلم النفس اللغوي وفيزياء الأدب وعلوم الذكاء الاصطناعي أو أضافت علوما جديدة كانت في الأصل عبارة عن نظريات ذات فرضيات أو اتجاهات كعلوم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram