TOP

جريدة المدى > عام > وجوه الحب الثلاثون..الحب الضائع.. بين اليأس والرفض والغضب والجنون

وجوه الحب الثلاثون..الحب الضائع.. بين اليأس والرفض والغضب والجنون

نشر في: 6 مايو, 2017: 09:01 م

|    5    |
صعد التل متجاوزا الكنيسة وجلس في حقل القمح الاصفر، تذكر ما قاله له صديقه غوغان قبل أسابيع :" اذا كان السم موجوداً، فان الترياق موجود ". أمسك بفرشاته واخذ يرسم الطيور التي كانت تحلق فوق رأسه، ساعات متواصلة من

|    5    |

صعد التل متجاوزا الكنيسة وجلس في حقل القمح الاصفر، تذكر ما قاله له صديقه غوغان قبل أسابيع :" اذا كان السم موجوداً، فان الترياق موجود ". أمسك بفرشاته واخذ يرسم الطيور التي كانت تحلق فوق رأسه، ساعات متواصلة من العمل، وحين تبين له انه فرغ من اللوحة كتب في احد الزوايا " غربان فوق حقل قمح " ثم حمل المسند واللوحة ليعود الى البيت، هناك القى بجسده على السرير، كان يشعر ان هذه هي أيامه الاخيرة بالحياة، فهو منذ ايام مسكون بفكرة الموت، كان فينسنت فان كوخ في السابعة والثلاثين، وقد كشف اخيرا ان الأمل بالشفاء من امراض الوسواس فقيرة جدا، وانه بحاجة الى ان يرسم لوحته الاخيرة، نظر الى الحذاء المركون الى جانب السرير، رفعه عن الارض ووضعه برفق فوق كرسيه تأمله لحظة وبدأ يرسمه في حرارة وانفعال كما يفعل مع الاشخاص الذين يحبهم، أنتهى الرسم وضع الى جوار الحذاء ورقة كتب عليها :" أنا أضع قلبي وروحي في عملي هذا، وربما سأفقد عقلي بسبب ذلك "، ولم يكن يدري ان هذا الحذاء العتيق سيثير سجالاً فلسفياً، ففي العام 1936، شاهد الفيلسوف الألماني "مارتن هيدجر" اللوحة في معرض بأمستردام.

فيقرر ان يكتب عنها دراسة مطولة بعنوان " اصل العمل الفني " حيت نجده يطرح سؤال عن معنى الفن وما حقيقته، ونجد هيدجر يتوصل الى نظرية تقول ان العمل الفني هو اصل الفنان وحقيقته :" "أننا نستخدم الأشياء في حياتنا اليومية، ونستطيع أن نعرف الغرض من استخدامها، لكنّ جوهرها يظلّ مخفيّا أو مغيّبا عنّا، وهذا الجوهر هو ما يكشف عنه الفنّ"، عندما نظر هايدجر إلى حذاء فان كوخ، توصّل إلى استنتاج مؤدّاه أنه يخصّ امرأة كان لها تأثير على حياة الرسام. ولهذا يؤكد هيدجر ان فان كوخ عندما رسم الحذاء، كان يرسم بورتريها رمزيا لمعاناته مع النساء، ويكتب سيجموند فرويد في تحليله لشخصية فان كوخ من ان الرسام:" كان سيعيش اكثر لو نجح في الحب، أن فشله في العثور على رفقة انثوية ساهم في انهياره ".
حدثت اولى حالات الانهيار عندما رفضته عام 1874 الفتاة الجميلة اورسولا لوير أبنة صاحبة المنزل الذي كان يقيم فيه في لندن، فبعد أخفائه لمشاعره طوال شهور اقامته في المنزل، انفجر ذات صباحا معلناً حبه للسيدة الشابة قائلا : أمس فكرت حين اويت إلى سريري في اسم يصلح لك. لقد دعوتك ملاك.
ضحكت من قلبها صائحة : ملاك ينبغي ان اذهب وأروي ذلك لامي
نظر اليها فنست، انه نادرا ما اهتم بامرأة من قبل، لقد نشأ في بيت متزمت، ولم يحب فتاة من قبل،ولم يكن اعجابه بارسولا مجرد نزوة او شهوة، فهو يحب للمرة الاولى.
نظرت اليه بعينين متعجبتين وقالت : ماذا بك أصبحت، لا افهمك هذه الايام.
فقال لها وهو يرتجف : ما اردت ان اقوله اليك، انني.. اعني
تراجعت اورسولا خطوة الى الوراء : ما الذي تحاول ان تقوله لي على وجه التحديد.
احس من خلال صوتها انها خائفة، حاول ان يطمئنها قال :" انني احاول اخبرك يا أرسولا شيئا تعرفينه مقدما وذلك انني احبك من كل قلبي، ولن اكون سعيدا الا اذا اصبحت زوجتي "
زوجتك صرخت بصوت عال :" كيف يكون هذا وهو مستحيل "
نظر اليها وهو يرتعش وقال :" آخشى الآن انني انا الذي لا..
فقاطعته :" انه لأمر غريب ان لاتعرف انني مخطوبة منذ عام.
مر على الاعتراف اسبوعين وذات صباح نزل الى غرفة الاستقبال كانت اورسولا وأمها جالستين تتبادلان النظرات
قالت الأم وهي تراه يتجه الى باب الخروج :" نحن نرى من الأفضل ان تسكن في مكان آخر.
واستدار لينظر الى اورسولا التي اخفضت وجهها الى الارض، فيما الام تكمل حديثها :" لقد كتب الينا خطيب ابنتي قائلا انه يريدك خارج البيت، وانني أرى انه من الخير كل الخير لو أنك لم تأت الى هنا على الاطلاق.
خرج من البيت ليكتب رسالة الى اخيه ماثيو :" ينبغي ان اعثر على امراة تحبني أو ساتجمد واتحول الى حجر ".
بدت له هذه التجربة الفاشلة رمزا لمأساة حياته يكتب في احدى رسائله :" امد يدي الى السعادة لأحيا كما يحيا الاخرون، لكني اجد الابواب موصدة في وجهي ".
 لم يخمد حبه العنيف لاورسولا، فاخذ يعاني من نوبات عصبية متفرقة ومنهكة، كانت كل منها تصيبه بالتشوش وعدم القدرة على التعبير عن نفسه بشكل مترابط لأيام أو حتى لأسابيع، وبدا اليأس يلازمه، فاصبح خشن الطباع، لايحب صحبة الناس، يسيء الظن بهم ويضيق بصحبتهم، فقرر في صيف عام 1847 مغادرة لندن والعودة الى عائلته في امستردام.

****
صاحب الوجه القبيح
استوحى فان كوخ من اورسولا الصورة الأكمل لأمرأة استوحى منها وجوه معظم نسائه اللواتي احبهن فيما بعد، بعد رفض اورسولا له عاش حياة مضطربة، اعتقد فيها ان عدم وسامته كانت سببا في ابتعاد النساء عنه، وقد كتب في احدى رسائله : " في كل صباح، عندما أنظر إلى المرآة أقول لنفسي، أيها الوجه المكرر، يا وجه فينسان القبيح، لماذا لا تتجدد؟ أبصق في المرآة وأخرج، واليوم قمت بتشكيل وجهي من جديد، لا كما أرادته الطبيعة، بل كما أريده أن يكون: عينان ذئبيتان بلا قرار. وجه أخضر ولحية كألسنة النار. كانت الأذن في اللوحة ناشزة لا حاجة بي إليها. أمسكت الريشة، أقصد موس الحلاقة وأزلتها.. يظهر أن الأمر اختلط علي، بين رأسي خارج اللوحة وداخلها، حسناً ماذا سأفعل بتلك الكتلة اللحمية؟ "
كان فان كوخ المولود عام 1853 في قرية صغيرة من قرى أمستردام لاب قسيس مارس منذ الصغر العديد من المهن، اشتغل بائعا في احدى المكتبات، ومدرس لغات مقابل الأكل والمآوى، وحارس مدرسة ابتدائية، كان والده يريد ان يهيئه لمهنة القسيس، لكنه قاسى من دراسة اللاهوت، فقرر ان يجرب حظه في الرسم :" لقد قررت أن أتخذ من الرسم حرفة لي " وكان الأب ينظر الى ما يفعله ابنه باستخفاف، كان يشاهده وهو يكرر رسم امراة نفسها اكثر من مرة، فقال له معاتبا : لماذا لاتتحول الى عمل تتمكن من اجادته
-لن اتحول الى عمل آخر يا ابي لقد قررت مصيري
*  ولكني اراك تعيد الرسم الواحد عشر مرات، ويبدو لي لو انك كنت على قدر من الموهبة لتمكنت من رسم ما تريد من اول مرة
-  ان الطبيعة تبدأ بمقاومة الفنان يابي، ولكن هذه المقاومة يجب ان لاتثنيني عن عزمي، بل العكس يجب ان تشحذ همتي حتى اتفوق على الصعاب
* لا يابني ان الفنان الفاشل عليه ان يكف عن المضي في طريقه، ولا يضيع وقته سدى
-ولكنني أجد سعادة اكبر في ان احول الرسم الفاشل الى رسم ناجح
ان الرسم يريحني من الهموم ويضيء حتى ليل الظلمة.
بعدها ايقن الاب ان ابنه اتجه اهتمامه للفن، فقد كان يرسم طوال عشر ساعات في اليوم على مدى تسعة اشهر، في بيتهم الريفي بحثا عن سلوى جديدة، لكن لم يكن يدري ان الاقدار تخبيء له حكاية حب جديدة.كانت الحبيبة هذه المرة احدى بنات خاله اسمها كاي سترايكر، جذابة الى درجة كبيرة ذات شعر اشقر وعينين زرقاوتين واسعتين، تفيض قسمات وجهها بمسحة من الحزن، جاءت الى بيت عمتها مع ابنها الصغير لتستريح بعض الوقت بعد وفاة زوجها، ما ان راها حتى اخبرها بانه سيرسمها :
- ان رامبرانت لو كان موجوداً لقرر ان يرسمك فورا
- وهل رامبرانت كان يهوى رسم النساء الدميمات.
- بل يرسم النساء الجميلات اللاتي فيهن مسحة من الحزن يصهر ارواحهن.
وذات يوم شكا لامه صد كاي له، كان في ذهنه يرسم لها صورة المرأة التي احبها في اورسولا، لقد فكر ان كل ما يريده كان حباً تمتلئ به حياته الموحشة :" الحب زحمة وسط العزلة " عندئذ قال لكاي :" حين رأيتك فقدت توازني ".
اجابت بحدة : لا اريد ان تكون حياتي رهنا لهوى آخر "
- لكن صاعقة الحب اكثر حيوية وعنفا قال لها ثم أضاف : سوف نبدأ حياة جديدة بعيدا عن هنا تحت سماء اكثر زرقة
* كلا، فانا جربت الحب مرة واحدة وكاد ان يقتلني وسواء كنت سارتبط برجل اخر، ام سأموت هكذا، فانني لا افكر فيك زوجاً
كانت هذه الكلمات اشبه بضربة قاضية وجهتها الى رجل مذهول.
واخيرا قررت كاي ان تهرب من امطارداته لها، فعادت الى بيت ابيها في امستردام، لكنه ظل يلاحقها بخطاباته الملتهبة :" ما معنى ان يفكر انسان بشخص اخر، معنى هذا ان لاينساه، اذ لاحياة ممكنة مع النسيان ثمة اشياء كثيرة تعيد صورتك الي والتفكير فيك، لايفيد شيئا اخر غير ان اراك.انا ببساطة لااستطيع العيش دون ان افكر فيك".
ويقرر أخيرا ان يذهب في اثرها ويستقبله خاله القس ستريكر بجفاء :
- والآن يافنست انك تسبب الكثير من المتاعب لابنتي
* دعني اراها ولو لمرة واحدة
- انها لاتريد ان تكلمك
* اصغ الي أرجوك انني احبها بجنون، لاتكن بالغ القسوة علي، انا أعرف انني لم اوفق في حياتي، لكن دعها ان تمنحني فرصة واحدة، سأنجح حتما، فرصة واحدة فقط هذا كل ما اطلبه
- يالك من ضعيف قال له الخال
* عندئذ قفز فان كوخ ومد ذراعه الى الشمعدان المشتعل على المنضدة وبسط يده على اللهب المتقد وقال للخال : سأريك كيف انني لست ضعيفا، هذه يدي لن ارفعها عن اللهب حتى أرى كاي
- ما العمل قال له الخال الى متى سيدوم هذا البؤس ؟
يكتب ايرفنج ستون في كتابه الممتع عن حياة فان كوخ :" لم يكن يعتريه شك انه طوال السنوات السبع التي اعقبت فقده اورسولا يعيش في وحدة لاتطاق، بل انه طوال حياته لم يسمع أمراة تقول له كلمة ملاطفة واحدة او تنظر اليه بعينين غائمتين بالعاطفة الرقيقة، لا أمراة احبته يوما، ولم تكن حياته حياة، وانما موت، ولم يكن حاله سيئا عندما احب اورسولا، فانذاك كان مراهقا، أما الآن فان حبه لكاي يريد به ان يسد جوعا الى العاطفة "

****
الحب على طريقة بلزاك
كان فان كوخ انذاك يقرا بلزاك واغرم بروايت الكبيرة " الاب غوريو، وسحرته عبارة في الرواية تقول :" ينبغي لك، لكي تصبح رجلا ان تحب امراة ". قال له والده يوماً ان :" الخطأ كله هو خطأ هذه الكتب الفرنسية التي تقراها، وعندها تواظب على مصاحبة المجانين، فكيف لانسان ان ينتظر منك تصرف الابن العاقل "
- وهل تسمي فكتور هيجو وبلزاك مجانين قال فان كوخ
* ان كتبهم مليئة بالشر، وهي التي دمرتك
كان فان كوخ يضع رواية الاب غوريو بالقرب من رأسه وقال يوما لابيه :" هناك طريقة واحدة لاقناعك وحسبك ان تقرأ صفحات قليلة وسوف تعرف الحقيقة
قال الاب وهو يصرخ غضبا : لست في حاجة الى قراءته، لقد كان لي اخ عظيم، ابتلى بقراءة الكتب الفرنسية، فقادته الى الجنون.
لم يكن فان كوخ مغرماً بجمال كاي فقط، وانما بوجودها وخصائصها، بمشيتها، وهو الآن يريدها وقد احس ان حب كاي سيجعل منه شخصاً مختلفاً، ولهذا لم يتوقف عن كتابة الرسائل العاطفية لها حتى بعد ان طرده ابيها، وفي نفس الوقت يكتب رسائل شبه يومية الى شقيقه ثيو، موضع سره، الذي كتب اليه يحاول ان يهدئه :" انها مسالة ميؤوس منها تماما يا فنيست، ان العم ستريكر يقول انه حتى على افتراض ان كاي تحبك، فهو لن يوافق على الزواج ما لم يكن دخلك السنوي ألف فرنك، وانت تعلم ان هذا الأمر مستحيل الآن"
ويكتب الى ماثيو يرجوه ان يقرأ ما كتبه بلزاك في الاب غوريو وكيف ان الحب سينتصر في النهاية.
كان بلزاك وهو يكتب الاب غوريو يعيش قصة حب عنيفة، ظن فيها بلزاك انه انتصر اخيرً، بعد سلسلة من قصص الحب الفاشلة، وابتهج لذلك وطلب من محبوبته إيفلين هانسكا ان يتزوجا، لكنها كانت لاتحب ان يجبرها احد على شيء.كتبت اليه انها عزمت على السفر، وانه ستتزوجه حالما تعود، لكنها فضلت عليه رساما مغمورا وفي رسالة كتبتها له قالت انها لاتريد ان تجعل منه انسان شقي بسبب ارتباطه بها.
في رواية بلزاك الأب غوريو نلتقي للمرة الاولى بشخصيية فورترين الشاب الذي يتمتع بذهن صاف وارادة قوية وحيوية، انه مرح وكريم وقوي البنية واثق من نفسه، كان يسحر النساء من اول نظرة، ويخبرنا الناقد هارولد بلوم في مقالته كيف نقرأ بلزاك ؟، ان فورترين هو الصورة المتخيلة لبلزاك الذي كان يطارد النساء ويحاول الايقاع بهن، وهي الشخصية نفسها التي سحرت فان كوخ فكتب الى اخيه ماثيو :" انا مجنون حباً، لا لانني اسحر النساء مثل ابطال بلزاك، بل لانني اريد ان اجعل من صورتي صورتين، صورة احمق في نظر نفسي، وساحر في نظر الاخرين ".

****
لقاء عاصف مع غوغان
في العام 1888 يلتقي في احد مقاهي باريس بالرسام " بول غوغان " ليرتبطا بصداقة ويعيشا سويا في مرسم غوغان، كان مرسما رثاً على احد الاأسطح ولم يكن به من الاثاث سوى سرير نحاسي ومنضدة ومقعد وحامل لوحات
وقال غوغان لفان كوخ :" انني اقتنع بالقليل من المادة تكفي لارضاء مطالب جسدي، اما روحي فلا يقيدها قيد "، واخرج من تحت السرير عدداً من لوحاته ليعرضها امام فان كوخ الذي وقف مشدوها يتطلع اليها وقد تملكته الحيرة، فقد رأى خليطاً من المناظر الغارقة في ضياء الشمس االمتوهجة واشجار وحيوانات ورجال لايمكن ان يخلقهم سوى رسام عبقري وتمم فان كوخ : " انك ياغوغان تكره الموجودات من كل قلبك"
ومضى فان كوخ في صحبة غوغان يرسم في اندفاع وفي خلال العشرين اسبوعاً رسم ما يزيد على مئتي لوحة وعرض بعض لوحاته في محال اللوحات الى جانب اعمال مونيه، لكنها لم تستهوي عشاق الفن التشكيلي
وذات يوم قال لاخيه ثيو :" انني لست رسام مدينة بل رسام طبيعة واريد ان اعود الى الحقول اود ان اجد شمسا ملتهبة تحرق كل ما فيّ سوى الرغبة في الحب " وفي صباح احد الايام وجد ثيو خطابا صغيرا على المنضدة يقول فيه :" عزيزي ثيو لقد رحلت الى آرال وساكتب اليك بمجرد وصولي الى هناك..اخوك الذي لاينسى فضائلك فينست "
 ****
الحب يطارده
في كل مكان
بعد أاشهر من اقامته في آارال، ارسل الى غوغان للاقامه معه في بيته، كان الرسام الفرنسي قد خرج من السجن محطماً مريضا مفلسا، وصل غوغان الى آرال عام 1888، وهيأ فان كوخ لصديقه اسباب الراحة، ولكن ما ان حل غوغان حتى بدات المناوشات الحامية بينهما، في البداية كانت تدور حول الفن، وكان غوغان ينتقد اعمال فان كوخ ويحاول ان يقلل من قيمتها، ثم راحت هذه المناقشات تدور حول النساء، في تلك السنة كان فان كوخ قد تعرف على راشيل في احد الملاهي، والتي كانت السبب في ان يستيقظ غوغان في الثالث والعشرين من كانون الاول عام 1888، ليجد فان كوخ يحمل سكينا، كانت المشادات تكثر فيما بينهما لكن لم يتوقع ان يصل الامر الى استخدام السلاح، وعندما كان غوغان يتهيا لصد ضربة فان كوخ، تحول مسار السكين ليقطع بها فان كوخ شحمة اذنه اليمنى، كان الاثنان قد دخلا قبل يوم في نقاش حاد حول راشيل، وهل هي تحب فان كوخ حقا، ولم يكن امامه سوى ان يقطع اذنه ليقدمها هدية لها، والتي ما ان راتها حتى فقدت وعيها.
 يعد حادثة شحمة الأذن المروعة تم إدخال فنسنت فان كوخ لمصحة عقلية في ولاية سان ريمي. وخلال اقامته في المصح، أنتج كمية كبيرة من اللوحات من ضمنها لوحته الشهيرة “ " ليلة مضيئة بالنجوم".
في السابع والعشرين من تموز عام 1890، خرج فينسنت فان كوخ إلى حقلٍ للقمح، خلف بيت ريفي ضخم، في قرية أوفير شيرواز الفرنسية الواقعة شمال باريس، وهناك؛ أطلق النار على صدره، وذلك بعد 18 شهراً من معاناته من اضطرابات نفسية وعقلية، كان ينتابه شعورٌ متزايد بالوحدة والقلق، وبات على قناعة بأن حياته ليست سوى فشل. ذات يوم، نجح في الحصول على مسدس صغير الحجم، يعود إلى صاحب المنزل الذي كان يقيم فيه. وكان هذا هو المسدس الذي أخذه معه حينما توجه إلى الحقول، غير أنه لم يكن سوى مسدس جيبٍ صغير الحجم للغاية، ذي قوة نيرانية محدودة، ولذا فعندما ضغط فان كوخ على الزناد، انطلقت رصاصة سرعان ما ارتدت إثر اصطدامها بأحد ضلوعه دون أن تخترق قلبه. رغم ذلك، فقد فان جوخ الوعي وانهار على الأرض.
وعندما حل المساء، عاد أدراجه وبحث عن المسدس ثانية للإجهاز على نفسه، وبعدما فشل في العثور عليه، عاد مترنحاً إلى الملهى يبحث عن راشيل، هناك تم استدعاء طبيب لفحصه، كما استُدعيّ شقيقه ثيو، الذي الذي وصل في اليوم التالي.
كان ثيو يتوقع إن شقيقه سيسترد قواه. لكن في النهاية لم يتسن له فعل شيء، ليموت فان كوخ متاثرا بجراحه.
ويكتب شقيقه ثيو تفاصيل اللحظات الأخيرة في عمر شقيقه قائلا: "ظللت إلى جواره حتى انتهى كل شيء. كان من بين أخر ما قاله " هذه هي النهاية التي اردت ان امضي اليها".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة
عام

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

د. نادية هناوي جددت المدرسة الانجلو أمريكية في بعض العلوم المعرفية كعلم النفس اللغوي وفيزياء الأدب وعلوم الذكاء الاصطناعي أو أضافت علوما جديدة كانت في الأصل عبارة عن نظريات ذات فرضيات أو اتجاهات كعلوم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram