TOP

جريدة المدى > عام > ملحمة جلجامش وحوارُ الحضارات

ملحمة جلجامش وحوارُ الحضارات

نشر في: 8 مايو, 2017: 12:01 ص

آه يا روحي  .... لا تطمحي إلى الخلود ، بل استنفذي حدود الممكن  الشاعر الإغريقي بندارقرأت "رؤية جديدة في أوديسة العراق القديم " / هل عرف جلجامش أسرار  الفضاء ؟ بقلم د . هشام عبد الستار حلمي في صحيفة الزمان يوم 22/4/2004 وسجلت ملاحظات سر

آه يا روحي  .... لا تطمحي إلى الخلود ، بل استنفذي
حدود الممكن
 الشاعر الإغريقي بندار

قرأت "رؤية جديدة في أوديسة العراق القديم " / هل عرف جلجامش أسرار  الفضاء ؟ بقلم د . هشام عبد الستار حلمي في صحيفة الزمان يوم 22/4/2004 وسجلت ملاحظات سريعة عليه وأخرى جديدة،  تحولتا معاً إلى هذا المقال الذي سيثير عدداً من الملاحظات حول ملحمة جلجامش ودورها كنص أزلي أول في حوار الحضارات الذي استقر هكذا بعد مقترح لما قاله صمويل هنتغتون عن صراع الحضارات. هذا النمط من الحوار هو الذي يضع الشرق في موقعه الجغرافي الثقافي والاقتصادي، ويمنحه مع غيره من الحضارات فرصة متكافئة ومعترف بها .
لا أريد مناقشة د. هشام عبد الستار حلمي، حول ما تضمنته المقالة، لان عدداً من الباحثين ، كتبوا عن العلاقة الكامنة في ملحمة جلجامش والفضاء الخارجي، لكني أريد التنبيه إلى خطورة بعض المصطلحات المنطوية على آراء ومفاهيم ليست ايجابية وتفوح منها رائحة التبعية للآخر، والقبول به والرضى بالانصهار مع المركزية الغربية والاقتناع  بكل ما قالته عن الشرق الذي هي صنعته وحافظت عليه مثلما أرادت كي يظل تابعاً وهامشياً في الدور الحضاري / الإنساني، وكيف تقبل بدورها المحيطي في مجال ثقافي، نحن أوّل من ابتكره واشتغل فيه واقترح ملامحه الفكرية وأسس ثوابته الاجناسية، وهنا انتقلت إلى الآخر، بعد ما ظلت زمناً طويلاً للغاية خاصية أدبية وفنية ميّزت الشرق الأدنى القديم وحصراً العراق القديم، واعني بذلك ملحمة جلجامش، النص الأدبي الرائد .
أطلق المرحوم طه باقر على ملحمة جلجامش اسم " اوديسة العراق القديم " ووضع الباحثون ومؤرخو الأدب الملحمة هذه في قمة الأدب العالمي ، كما أنها أقدم نص ملحمي في أدب الملاحم البطولي في تاريخ جميع الحضارات وقد دونت في 4000 ق . م وحتماً عاشت زمناً طويلاً باعتبارها نصاً شفاهياً يقدم بالمناسبات الدينية والاحتفالات الطقوسية . ومعروف بأن هذه الملحمة ما زالت حتى هذه اللحظة مكتنزة بعناصر الإثارة والاهتمام ، بما تبدى عنها من تركيز على أحلام وطموحات الإنسان وما يريد ، مما جعل حوادثها مثيرة للغاية ، ومع احترامي الكبير للأستاذ طه باقر، الذي اعرف علاقته العميقة مع الملحمة  وبذل جهداً كبيراً في ترجمتها واستمرار الاشتغال عليها وما زال اسمه مقترناً بها حتى قال د. فوزي رشيد : لو عاد جلجامش الى الحياة لجعل لطه باقر تمثالاً ذهبياً في اكبر ساحة وسط مدينة أوروك .
لكني اتحتفظ على إضفاء اسم الأوديسة عليها ، لان ملحمة جلجامش سبقت ملحمة الأوديسة والإلياذة، حيث يعتبران أقدم نتاج أدبي لليونان وقد تم تدوينهما في القرنين الثامن والسابع  ق. م ، أي أنهما متأخران عن الأدب العراقي بخمسة قرون . وتميزت ملحمة جلجامش بقدمها على تاريخ الملاحم الهندية المعروفة بأكثر من ألف عام وكذلك كانت ملحمة جلجامش أقدم من الأدب التوراتي كثيراً . ونحن نعلم بأن أقدم تدوين للتوراة في القرنين السادس والخامس ق.م.
وبعد أن عرفنا بتاريخية ملحمة جلجامش وأسبقيتها في الإنتاج والتدوين وحتماً يعرف الكل بأن التدوين لا يعني تاريخ إنتاجها ، لأنها مصاغة قبل الكتابة بزمن طويل جداً واحتفظ النشاط الشفاهي بها ، مثلما هي الكثير من النصوص  الشفاهية ، ستحضر إلى الذاكرة الأساطير السومرية الخمس، التي اعتمدت عليها البنية الذهنية الاكدية في إنتاج نص ملحمة جلجامش  بالصيغة الموجودة بالتداول .
**********
التماثل كبير بين رحلة جلجامش وقصة الأوديسة . فالاثنان " جلجامش وأوديسة يعودان إلى بلاد كل منهما في النهاية وكلاهما رفضا طلباً من ربه للزواج منها وكل منهما تكلم مع صديقه في عالم الموتى . وكما أن الإلهة تثيس قد حملت آخيل " اكيليس " في الاوديسة فان جلجامش هو ابن الربة ننسون . والعلاقة بين جلجامش وانكيدو تشابه تلك بين باتروكليس واكيليس في الاوديسة . وكما بكى جلجامش على صديقه انكيدو ، فقد بكى اكيليس على باتروكليس . وكانت حالة اوديسة عند رجوعه " متألم المظهر وحزين القلب " تشبه حالة جلجامش لدى عودته. وقد اخبر جلجامش جده البعيد اوتونابشتم بأن سبب حزنه هو موت صديقه الحميم انكيدو ، كذلك اوديسة الذي كان سبب حزنه قدرته على تخليص أصدقائه من الموت ، وكان بوسيدون رب المياه والبحار عند اليونانيين هو الاله الوحيد الذي لم يشعر بعطف على اوذيسة وكذلك الإله انليل من بين جميع الإلهة رفض إنقاذ اوتونابشتم  من الطوفان . وسار جلجامش لابساً جلد أسد وكذلك كان هرقل "هركليس" يحمل معه على الدوام جلد أسد . وان رجوع اوذيسة دونما هدايا إلى أهله سيكون بلا قيمة وكذلك في ملحمة جلجامش عندما أخبرت زوجة اوتونابشتم بعلها " أن جلجامش قد أتى الى هنا وهو تعبان ومتألم ماذا ستعطيه حتى يعود لأهله ". وما أن سمع جلجامش منها هذا القول حتّى قرب سفينته أكثر إلى الساحل كي يتسلم الهدايا . وهنا افصح اوتونابشتم لجلجامش عن سر النبتة العجيبة في جوف البحر والتي اسمها " رجوع العجوز شاباً " وبذلك تكون خير هدية . وأسوار طروادة من بناء الالهة كما تقرأ في الإلياذة ، وكذلك أسس أوروك وضعها حكماء أسطوريون سبعة .
وكان وصف انكيدو لما حل به الموت والعالم السفلي يشبه تلك في الأوديسة عندما يتكلم اوديس مع اكليليس  وآخرين في عالم الأموات " هاديس " ولو أن جلجامش قد صور في الملحمة ظالماً في البداية إلا انه قد حمى مدينته من قوى الطبيعة العنيفة التي رمز إليها في الملحمة بالوحوش . وكان جلجامش وأبطال الإلياذة يعرفون بأنهم سيموتون وان الإلهة قد خلقت فاكيليس كان يعرف بأنه سيموت حال دخوله طروادة وهو يعلم بان الإلهة تقرر الآجال ولكنه تصرف بحرية في حياته مثل جلجامش .وهناك صور عدة تصور أعمال هراكليس البطولية تماثل الصور المنسوبة الى جلجامش فلابد وان كانت ملحمة جلجامش تلقى في قصور ملوك أيونيا في غرب أسيا الصغرى وجزر بحر ايجة ، خاصة وأن هناك تراجم للمحملة ثم العثور عليها في اللغتين الحورية والحيثية . فوصول ملحمة جلجامش يفسر الكثير من العلاقة القوية بين الملحمة نفسها والتقاليد اليونانية في خلفية هركليس وما نقرأه في الكتابات المنسوبة لهوميروس وتلك لهسيود وما يرويه نسطور في الإلياذة ، تذكرنا بما اخبر اتونا بشتم جلجامش عن الطوفان . وإن الإيمان بالقدر الواضح في ملحمة جلجامش نرى ما يوازيه في الإلياذة حيث نقرأ قول زيوس " هذا شيء محزن حقاً سار بيدون الذي أحبه اكثر من كل الناس قضى عليه القدر أن يقتله باتروكليس " . والاعتقاد بعالم الموت الموضح في ملحمة جلجامش مشابه لما نقرأه في الإلياذة عن ذلك العالم.
أن تشابه قصص الطوفان اليونانية مع قصة الطوفان البابلية التي رواها اوتونابشتم في الملحمة الى جلجامش معروف مما يدل على تأثر الأولى بالثانية . فقد طغى طوفان على نتيجة تمادي البشر في طغيانهم وشرورهم وبين اوتونابشتم " في ملحمة جلجامش " بإرشاد الإله آيا وكذلك دبر كاليون بطل الطوفان في كلتا القصتين . طيراً لمعرفة توقف الطوفان . وقد رسى الفلك أخيراً على جبل في القصتين . وان سردوري صاحبة الحانة في ملحمة جلجامش مثل سرسي وولدها كوموس تتبع فلسفة كل واشرب، لأن هذا هو نصيب الإنسان . وقد نصحت سر دوري جلجامش حول الطريق الى اتونابشتم وبحر الموت مثل نصح سرسي لاوذيسي عن الطريق الى هيديس عبر ماء المحيط . وان فم الأنهار في ملحمة جلجامش يقابل ينابيع المحيط عند اليونان . وان اوتونابشتم قد اختبر من بين البشر ليخلد مثل مينليوس الذي اختبر للخلود من بين أبطال اليونان وأرسل الى الجنان ابلوسيته في نهاية الأرض وأن يكون زميلاً  الى راداما نيوس ذي الشعر الأحمر . وقد وصفت الجنان الابليسية بكونها : " لا يسقط منها ثلج ولا تهب بها عواصف عنيفة أو يسقط بها مطر بل أن المحيط يرسل النسيم العليل على الدوام من الناحية الغربية ليهب بارداً على الناس " وهذا يماثل ما نقرأ في أسطورة سومرية عن ارض دلمون التي تجعلها قصة الطوفان .
موطن زيوسودا بطل الطوفان ( المقابل لاوتو نابشتم )
المكان طاهر
أرض دلمون طاهرة
لا ينعق الغراب في دلمون
ولا يطلق طير الاينو صيحة الم طير الايندو
الأسد لا يفترس
الذئب لا ينهش الحمل
والكلب المسحور الذي يفترس العجل غير موجود
الطير لا ينكس رأسه
ومريض العينين يقول أنا لست مريضاً بالعينين..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة
عام

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

د. نادية هناوي جددت المدرسة الانجلو أمريكية في بعض العلوم المعرفية كعلم النفس اللغوي وفيزياء الأدب وعلوم الذكاء الاصطناعي أو أضافت علوما جديدة كانت في الأصل عبارة عن نظريات ذات فرضيات أو اتجاهات كعلوم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram